لتعاليم الدين الذي ينسبون إليه من قداسة، ولما لهم هم أنفسهم من طبيعة إنسانية تميل إلى الجاه والسلطان، قد يكون لهم خطر على الإنسان في قيادتهم له إن احتكروا الدين وجعلوا فهمه وفقاً عليهم وحدهم. فلكي لا يقع هذا الخطر يذكر الفلاسفة بتفلسفهم الإنسان بقيمته واعتبار وجوده، حتى لا يكون انجذابه إلى تعاليم رجل الدين عن غير روية واختيار. ورجال الدين لأنهم يرون في الفلاسفة منكرين لإفهامهم الدينية ومفرقين بين الدين وتعاليمهم، ومحرضين الإنسان على عدم الانقياد لهم في يسر وسهولة يقررون بعد الفلاسفة عن التوجيه الصحيح للإنسان ويصورونهم منحرفين عن الدين.
وإذا كانت الفلاسفة في بدايتها تكونت من المعارف الدينية، فالفلاسفة في العصور المختلفة إلى عصرنا نشئوا تنشئة دينية وكانوا من رجال الدين قبل أن يصيروا من رجال الفكر، وإن اختلفت بدايتهم عما صاروا إليه، فليس لأنهم أنكروا الدين، بل لأنهم خالفوا رجال الدين في تصويرهم للدين وعرضهم له.
وإذا كان تفلسف الإنسان في أول الأمر لرفع طغيان الإنسان باسم الدين، فلم تزل حرية التفكير التي هي أساس التفلسف وسيلة الإنسان السلمية لتكبح اعتداء الإنسان باسم أي شيء آخر.