إن الأستاذ أحمد أمين يرى أن ابن خفاجة لم يتذوق الطبيعة وإن اشتهر بوصف الطبيعة
وليس من المستغرَب أن يقف أحمد أمين من ابن خفاجة حيثُ وقف، لا يتذوق الشعر إلا في النادر القليل فكل أديب في الدنيا حدثته نفسه بأن ينظم من الشعر بيتاً أو بيتين، حتى الدكتور طه حسين، فقد كان له في مطلع حياته غرامُ بصوغ القريض، وسنعرض للمجهول من حياته الشعرية بعد حين أما أحمد أمين فلم يفكر يوماً في نظم الشعر
والواقع أن عظماء الكتّاب في جميع البلاد كانت لهم نزعات شعرية، لأن للشعر مزية قوية في تكوين الأسلوب، وهو الذي
يروض الكاتب على خلق الصور والإحساس بالرنين
والكاتب الحق هو الذي يعاني من المكاره ما يعانيه الشاعر، وقد أخطأ أبو هلال حين توهم أن النثر كلام غير منظوم، مع أن أبا هلال كان من أهل البصر بأسرار البيان
مالي ولهذا؟
أنا أريد أن أنصف ابن خفاجة الذي ظلمه الأستاذ أحمد أمين
كان ابن خفاجة يسمّى (اُلجنّان) وهي تسميةُ تشهد لأسلافنا بسلامة الذوق. وكان يسمّى (صنوبريّ الأندلس)
كان ابن خفاجة جَناناً، لأنه قضي دهرا في وصف الرياض والبساتين، وكانت جنته هي الأندلس وقد فضلها على جنة الخُلد، ومن أجل ذلك اتهمه بعض معاصريه بالمروق حين قال:
يا أهل أندلسٍ لله دَرُّكم ... ماءٌ وظلٌّ وأشجارٌ وانهارُ
ما جنّة الخُلد إلا في دياركُم ... ولو تخيرت هذى كنت أختارُ
لا تختشوا بعدها أن تدخلوا سقراً ... فليس تُدخَل بعد الجنة النارُ
والحق أن ابن خفاجة فُتِن بمناظر بلاده أشد الفتون، فكان يترصد الفرص لوصف ما ترى العيون أو تحسُّ القلوب بتلك البلاد
وكان شعره ونثره قيثارة تجود بأعذب الألحان في وصف الأشجار والأزهار والأنهار والسواقي والسحائب والبروق
وقد ظل ابن خفاجة مفتوناً بوصف الطبيعة نحو خمسين سنة فهل يسوغ لإنسان أن يقول