مذكرات مبعثرة متناثرة كنت قد وضعتها نواة لقصتي الأولى؛ وإن معظمها ليبدو لي الآن بلا معنى كما تحوى كذلك مذكرات قصيرة جداً عن شخصيات القصة؛ التي ألاحظ فيها شيئاً واحداً فريداً، هو أنني لم أكن قد وضعت لها فكرة تامة شاملة. . . على أن بعض هذه المذكرات كان ينتظم النظريات الحيوية التي كنت أومن بها في ذلك العهد
لا شيء يبعثني على تصفح هذه القصة الأولى لأرى كيف ائتلفت من تلك المذكرات المتناثرة فصول كتاب كامل ومن الواضح أن رغبة الطبيعة في أن تجعل مني كاتبة قصصية، لم تكن أعظم من رغبة الجامعة في أن تجعل مني مدرسة فيها! فليس في تلك القصة الأولى ثمة فكرة ناضجة؛ بل بضعة مناظر مترابطة. وليس فيها شخصيات؛ بل عظام جافة في وادي عقلي لأفكار مجتمعة لي من سني قراءتي السقيمة، مقتبسة من (العصر الحديث) متذاكرة من أحاديث التلاميذ. ولا أستثني من ذلك سوى نسمات سرت إلى قصتي من سماء الوحي. . .! إذ حدث أن تحرر ذهني مرة من صلته بأفكار الناس، متخذاً سبيله بين آمال الحرية الطليقة، مما سأذكره مفصلاً فيما بعد!
وشبت الحرب فرحت إلى (ليفربول) وكان أن أحكم على الشرك الذي ظننتني قد نجوت من أسره! إذ تزوجت وغدوت ربة بيت لم أكن أرجع عن بعض أعماله إلا وقد أنجزت كل أجزائه؛ وبقدر بغضي للخدمة أصبحت أكثر أمانة من أية سيدة يمكن كراؤها لذلك. وما كان في وسعي أن أقرأ أو أكتب في غرفة غير وثيرة إلي أبعد حد. . .! وقد كتبت النصف الباقي من قصتي في فترات الراحة التي كنت أخلو فيها من عناء الأعمال المنزلية كالطبخ والغسل وتنظيف الأثاث وغير ذلك. ولم أكن قد أنجزت هذا النصف الباقي حين وضعت طفلي في منتصف عام ١٩١٥ في (هويتبي). وبعد ذلك أهملت القصة على ركن من رف ظلت به خمسة شهور في برد من الغبار!
وفي ديسمبر عدت ثانية إلى (هويتبي) ومعي طفلي وقصتي التي أقحمتها حقيبة ثيابي في الدقيقة الأخيرة ساعة الرحيل. إذ خطر لي أنني سأكون في سعة من الوقت تهيئ لي فرصة الكتابة. وكانت الحرب حينذاك مستأثرة بأصدقائي. . . محيطة كل شيء بالمظان من كل جانب. غير أن ذهني كان صغيراً جداً وكذلك كانت سني، فلم أكن أتطلع إلى المستقبل بغير آمالي وحدها. . .