للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سرت عدوى (السعال) من شقيقتي إلى طفلي وهو في شهره السادس. غير أن إصابته لم تكن حادة عنيفة. على أنه كان يستيقظ مرات في الليل ليسعل. وذات ليلة كنت راكعة إلى جوار مهده أعني به وهو نائم، وأتلهى بإضافة شيء إلى قصتي. وكنت ساعتئذ أكثر ما أكون تشتت بال ورهافة سمع. فحدث أن تمثل لي شاب سميته من فوري (بوسكت)؛ بلغ من شدة تصوري وجوده أن حسبته حقيقة ماثلة لا خيالاً طارقاً؛ بل لقد خفت أن يكون من لصوص الليل، غير أني ما لبثت أن هدأت إلى هدوئه، فقد بدا لي - هو نفسه - خائفاً! بوجهه المستدير، وقسماته الغامضة المعقدة. كما تبينت للوهلة الأولى نواحي ضعفه، وغير ذلك من طباعه وعاداته! واتفق أن استيقظ الطفل ليسعل فجاءة؛ فأقبلت عليه وما زلت به أطيب خاطره حتى عاوده النوم، ثم رجعت إلى رجل خيالي (بوسكت) الذي لم يكن فارق ذهني بعد. . .! وظللت أستوحيه ما أكتب حتى صرخ الألم في ركبتي وأنا راكعة عليهما؛ وحتى تقلصت عضلات معصمي، وسرى البرد إلى جسدي فاقتادني راغمة إلى الفراش!

ولم أنجز الكتاب كله في ذلك الحين أيضاً. . . ولكني أضفت إليه بعض العبارات في أيامي الأخيرة في (هويتبي). وحدث ذات مساء أن أطفأت الأنوار الكهربائية إيذاناً بغارة جوية من مناطيد (زبلن). فالتمست في الظلام ورقة صغيرة جعلت أكتب عليها قطعة شعرية من القصة - إلى جانب أمي - على ضوء شمعة؛ وحين فرغت من نظمها كانت الأنوار قد عادت. فأخذت أقرأ الشعر لأمي، وأنا شديدة الأيمان بأنه شعر رائع، وهي تزعم كذلك أنني شاعرة مطبوعة!.

وفرغت من الكتاب عام ١٩١٦ في (كترنج) ولا أستطيع الآن أن أستدعي الكثير من الذكريات عن ذلك العهد. غير أني كنت ولم أزل قليلة الفراغ كثيرة المتاعب. وعلى أي حال فقد انتهيت من كتابة القصة، ثم وقعتها على آلة كتابية عتيقة بالية، فاستغرق ذلك حيناً. . .

وحين رحلت عن (ليفربول) في ربيع ١٩١٧، كان معي الكتاب مكتوباً بأحرف الآلة الكاتبة، بعد أن رفضه أحد الناشرين لعله (دكورث) وقد أرسلته من (ريدنج) إلى ناشر آخر. ومع أن الكتابة القصصية لم تكن تروق لي كثيراً، فقد لبثت أرتقب ماذا يقدر لكتابي الأول، الذي هو محاولتي القصصية الأولى!

<<  <  ج:
ص:  >  >>