وجه إلى المستر (فيشر آنون) الناشر المعروف - الدعوة للقائه، والحق أنني اضطربت لتلك الدعوة، وتهيبت ذلك اللقاء. وقبل أن تتم المقابلة آثرت أن أمر بالرجل الذي يقرأ للمستر (آنون) ما يراد نشره، وقد تلطف الرجل معي ورق حديثه، ولا أحسبه قد أشار علي بإحراق قصتي! ثم لقيت المستر (آنون) نفسه في غرفة مكتبه الأنيقة. وبعد حديث قصير اقترح علي أن اقدم إليه أعمالي القصصية (الستة) التالية! وما كان لي غير إقرار هذه الصفقة المقترحة من جانب واحد! غير أن فكرة كتابة قصة بعد أخرى - بدأت تفزعني. وحين هممت بالانصراف من حضرته شيعني إلى الباب، كأي جنتلمان مهذب رقيق الحاشية، وفي اللحظة الأخيرة قدم إلي نسخة من قصة (طريق النسر) مصحوبة بقوله (إني أعطيك هذا الكتاب لتقرئيه، ولترى كيف ينبغي أن تكتب القصة)
ومضى هذا الحادث عنيفاً. وتركت القصة في مكان لا أذكره، وافتقدتها فلم أعثر عليها إلا بعد حين، فأرسلتها إلى دار (كونستيبل) للنشر، وكنت في بعض ريف (هامشتر) حينذاك.
وتلقيت من (كونستبل) أنهم راضون عن القصة، راغبون في لقاء المؤلفة، بيد أني كنت قد زهدت في هذا اللقاء، بعد ما حدث في لقائي للناشر السابق الذي أراد أن يعطيني درساً في الفن على يدي بعض كتبه! ومن الجهة الأخرى - لم أكن أود إنفاق أجر السكة الحديدية في سفرات لا أريدها! وكذلك كتبت إلى (كونستبل) أستفهم عما إذا كانوا جادين في رغبتهم نشر قصتي؟
وأعتقد أنني سررت حين علمت أن كتابي سيطبع وينشر حقاً! والواقع أني لا أكاد أذكر شيئاً عن ذلك، ولكني أرجح أني تلقيت الأمر في قلة اكتراث. وإن ذاكرتي لتختزن القليل من مشهد جلوسي في غرفة بمنزل (ميخائيل سادلر) في لندن، وأني لأتصور الغرفة الآن وطولها ميل أو أكثر، كما أتصورني وأنا أعبر طولها ذاك حابية على كفي وركبتيّ!. وبعد أن تناولنا الطعام تناولت قلمي فأجريته فوق بعض عبارات من القصة زعم صاحبنا أنها غير ملائمة. ولقد ساعد على اقتناعي برأيه السيئ فيها زهدي في احتراف القصة. كما أنني تركته يستبعد كلمات من العنوان نفسه
وبعد أن تم التعاقد بيني وبين دار (كونستيبل) للنشر بأسابيع فجأتني حاجة عنيفة إلى المال، فكتبت إليهم أطلب نقوداً. في حين أنني لم أكن أعلم ماذا صنعوا بعد إتمام التعاقد؟