وكان على عرش غرناظة يومئذ السلطان أبو الحسن علي بن سعد النصري الأحمري. ولي الملك سنة ٨٧١ هـ (١٤٦٦م)، ولكنه لم يستخلص الملك لنفسه إلا بعد نضال عنيف بينه وبين منافسيه وعلى رأسهم أخوه أبو عبد الله المعروف (بالزغل). وكانت الحرب الأهلية تضطرم في مملكة غرناطة كلما لاحت فرصة للتنازع على العرش. فلما استقر أبو الحسن في عرشه، أبدى همة فائقة في تحصين المملكة وتنظيم شئونها، وبث فيها روحاً جديداً من البأس والطمأنينة، واستطاع أن يسترد عدة من الحصون والقواعد التي افتتحها النصارى، ولاح للنصرانية أن الأندلس المحتضرة تكاد تبدأ حياة جديدة. بيد أن هذا البعث الخلب لم يطل أمده. ذلك أن عوامل الخلاف الخالدة عادت تعمل عملها، وبذر أبو الحسن حوله بذور السخط والغضب بما ارتكبه في حق الأكابر والقادة من العسف والشدة، وبما أغرق فيه من صنوف اللهو والعبث. وكان أبو الحسن قد اقترن بالأميرة عائشة ابنة عمه السلطان أبي عبد الله الأيسر، ورزق منها ولدين هما محمد ويوسف. ولكنه عاد فاقترن بنصرانية رائعة الحسن تعرف في الرواية العربية (بثريا الرومية). وتقول الرواية الإسبانية أن (ثريا) هذه كانت ابنة عظيم من عظماء إسبانيا هو القائد (سانكو كمنيس دي سوليس) وأنها أخذت أسيرة في بعض المعارك وهي صبية فتية، وألحقت وصيفة بقصر الحمراء، فهام أبو الحسن بجمالها حباً، ولم يلبث أن تزوجها واصطفاها على زوجه الأميرة عائشة المعروفة (بالحرة) تمييزاً لها من الجارية الرومية أو إشادة بعفتها وطهرها ولم يكن اقتران السلطان بنصرانية بدعة، ولكنه تقليد قديم في قصور الأندلس، وقد ولد كثير من خلفاء الأندلس وأمرائها العظام من أمهات من النصارى مثل عبد الرحمن الناصر وحفيده هشام المؤيد. وكان لهذا التقليد أثره السيئ في انحلال عصبية الدولة الإسلامية، بيد أنه كان أشد خطرا وقت الانحلال العام. وكان وجود أميرة أجنبية في قصر غرناطة تستأثر بالسلطان والنفوذ في هذا الظرف العصيب، عاملا جديدا في إذكاء عوامل الخصومة والتنافس. ذلك لأن (ثريا) أعقبت من السلطان أبي الحسن ولدين، وأرادت أن يكون العرش لأحديهما، وبذلت كل ما استطاعت من الإغراء والدس لإبعاد خصيمتها الأميرة عائشة عن كل نفوذ وحظوة، وحرمان ولديها محمد ويوسف من كل حق في الملك، وكان أكبرهما محمد ولقبه أبو عبد