وحفظ القرآن أبناء هذه القرية وما جاورها جيلاً بعد جيل، وكان أبوه من قبله معلماً صاحب (كتِّاب).
وقد قدر لي أن أجلس إلى هذا الشيخ المعمَّر قبل أن يقبضه الله إليه، وأن يحدثني عن نبْت قريتهم عرابي وأنه كان يتعلم القراءة وحفظ القرآن في كتاب أبيه، وكان (عرابي) يصغره سناً وإدراكاً ويتخلف عنه في الحفظ. فكان الشيخ محدثي - رحمه الله - (عريفاً) عليه كما يقولون في لغة كتاب القرية.
وبقيت العلائق بين (العريف) المعلم الشيخ علي نجم وبين أحمد عرابي حتى انتهى لما بلغ من مجد ومن مكان، وكان من خاتمة الثورة العرابية ما عرفنا ونقل عرابي باشا إلى جزيرة سيلان ثم أعيد بعد عشرين سنة فيها.
قال الشيخ المعمر يرحمه الله:
وقصدت ومعي زميل من شيوخ القرية نهبط مصر لنرى عرابي باشا بعد رجوعه من المنفى، وكان يوم جمعة وحلَّ علينا وقت صلاتها قريباً من عابدين، فدخلنا مسجداً نصلي فإذا بنا ونحن خروج ننتعل أحذيتنا على باب المسجد نرى عربة تقف أمامه وقد صعد إليها رجل كبير ضخم عرفته، فقلت لصاحبي الشيخ: أليس هذا عرابي باشا؟ لقد تغير كثيراً، وكأنه لم يعد يُبصر. فقال صاحبي بعد صمت: ألا ترى من الخير لنا أن نعود وألا نذهب إلى بيت عرابي، فإني لا أستطيع أن أراه هكذا في ختام أيامه كسيراً مخذولاً مهيضاً.
وهل تظن أنه يعرفنا بعد كل هذه السنين وهذه الأحداث وهذه الغربة؟ وإننا نخجل أنفسنا حين نعرض عليه أو يستأذن لنا منه فلا يذكر أشخاصنا بأسمائنا. فهلم بنا نعود. قال محدثي ولكني عارضت صاحبي وشجعته وقلت له لقد جئنا إلى القاهرة لنزور عرابي ولا بد إن شاء الله أن نزوره. وقصدنا إلى بيته وفي شارع خيرت بعد صلاة الجمعة بساعات.
فلما قدمنا منزل عرابي باشا استقبلنا على بابه بعض الخدم والعبيد واستقبلنا واحد من أبنائه وهو لا يعرفنا. فلما عرفناه أنفسنا قال إن الباشا ليس في البيت وترك لنا أن نجلس أمام البيت على (دكة) البواب حتى يعود فيستأذن لنا عليه الخدم، فجلسنا وقد نظر إليَّ صاحبي كأنما يذكرني ما قال ونحن نترك المسجد وقد رأينا عرابياً وهم بنا صاحبي أن نعود.
ونحن وقوف على هذه الحال إلى حائط البيت انتهت إلى البيت عربة عرابي ونزل منها