فتركتها وزاد كربي وثقل همي، وفتحت الباب ووقفت على رأس السلم أفكر فيما أقول لأصحابي، وأنا مطرق ويدي على الدرابزين، وكانت عندنا فتاة صغيرة في مثل سني، تخدمنا، فخرجت ورائي ثم قالت لي:
(ما لك يا سيدي؟).
قلت:(لا شيء!). وأشرت لها بيدي أن تدخل.
قالت:(ولكنك مطرق. . . .).
قلت:(ولم لا أطرق إذا شئت؟؟ هل هذا ممنوع؟).
قالت:(لا. . . ولكنك مكتئب!).
قلت:(ربما. . . .).
قالت:(يعز عليَّ أن أراك هكذا. . . .).
قلت:(أشكرك).
قالت:(ألا تخبرني ماذا بك؟).
قلت:(لا شيء!).
وماذا بالله أقول لها؟؟ إنها خادمة، فكيف أطلعها على سري؟؟ وصحيح أنها رُبّيت في بيتنا - معي - وأنا جميعاً ننظر إليها كأنها واحدة منا، ولكني لم أعتد أن أرفع الكلفة بيني وبينها على الرغم من ذلك. فلم يسعني إلا أن انحدر وأتركها.
ولكني لم أقل لإخواني شيئاً، واكتفيت بأن أجلس على كرسي أمام الباب وأنا أقول لنفسي:(من الآن إلى العشاء يفرجها ربك. . . ولست أعرف لي الآن عذراً غير الإفلاس أعتذر به لإخواني، ولكن الله قد يفتح عليَّ ويلهمني العذر المقبول).
ولم أفكر قط في وسيلة لتدبير الريال المطلوب، فقد كنت من ذلك على يأس كبير؛ واقتنعت بما قالت لي أمي، فصار همي أن أهتدي إلى عذر يقتنع به الإخوان، ولا أخجل أنا منه. وإني لكذلك وإذا بالفتاة الخادمة تدنو مني وتهمس في أذني أن تعال، فأسألها فتقول:(كلّم) وتسبقني إلى الفناء فالسلم، وأصعد درجات فتستوقفني فألتفت إليها فتمد يدها بريال تضعه في كفي فأعجب وأنظر إليه وإليها وأسألها: