حكومة أخلاقية نافذة القانون فتضبطوا أخلاق النساء والرجال وتردّوها كلها أخلاقاً محاربةً لا تعرف إلا الجد والكرامة وصرامة الحق، وإلا فكما تكونون يُوَلىَّ عليكم. . . .
هذا وحده هو الذي يعيد الأجانب إلى رشدهم وإلى الحقيقة، فما أراهم يعاملوننا إلا كأننا ثياب معلقة ليس فيها لابسوها. . .
كيف يتصعلك المصري للأجنبي لو أن في المصري حقيقة القوة النفسية؟ أترى بارجة حربية تتصعلك لزورق صيد جاء يرتزق؟
إن في بلادنا المسكينة الأجانب، وأموال الأجانب، وغطرسة الأجانب، لا لأن فيها الاحتلال، كلا، بل لأن فيها ضعف أهلها وغفلة أهلها وكرم أهلها. . . . بعض هذا يا بني شبيه ببعض، وإلا فما هو كرم الشاة الضعيفة إلا لذة لحمها. .؟
نريد لهذا الشعب طبيعة جدية صارمة ينظر من خلالها إلى الحياة فيستشعر ذاته التاريخية المجيدة فيعمل في الحياة بقوانينها. وهذا شعور لا تحدثه إلا طبيعة الأخلاق الاجتماعية القوية التي لا تتساهل من ضعف، ولا تتسمح من كذب، ولا تترخص من غفلة. والحقيقة في الحياة كالحقيقة في المنطق إذا لم يصدق البرهان على كل حالاتها، لم يصدق على حالة من حالاتها. فإذا كنا ضعفاء كرماء، أعزاء، سادة على التاريخ القديم، فنحن ضعفاء فقط. . .
إن الكبراء في الشرق كله لا يصلحون إلا للرأي، فلا تسوموهم غير هذا، فهم قد تلقوا الدرس من أغلاطهم الكثيرة، وبهذا لن تفلح حكومة سياسية في الشرق الناهض ما لم يكن شبابها حكومة أخلاقية يُمدُّها من نفسه ومن الشعب في كل حادثة بالأخلاق المحاربة.
يا بني إن القوي لو اتفق مع الضعيف على كلمة واحدة لا تتغير لكان معناها للأقوى أكثر مما هو للأضعف. فإن هذا القوي الذي يعمل مع الضعيف يكون فيه دائماً شخص آخر مختف هو القوي الذي يعمل مع نفسه.
هكذا هي السياسة؛ أما في الإنسانية فلا، إذ يكون الحق دائماً بين الاثنين أقوى من الاثنين.