ومن ثمة فإن قارئ هذا الكتاب لن يعرف منه أول ما يعرف إلا نفس كاتبه قبل أن يعرف ما كتب عنه؛ وهو بذلك كتاب له ميزته، لأن فيه (صدق) الرواية؛ وله خطر، هـ لأن فيه القدرة على خداع القارئ ليقوده إلى الإيمان بالرأي الذي لم يكن يؤمن به لو لم يتوق بالحذر واليقظة والانتباه. . .
وأول ما تعرف من رأي مؤلف الكتاب ومن نفسه هو قوله الذي يصدر به الكتاب:
(درجت على حب الغرب والإعجاب بحضارة الغرب؛ وقضيت أهم أدوار التكوين من عمري في أوربا، فتمكنت أواصر حبي، وتقوت دعائم إعجابي؛ فلما ذهبت إلى الشرق، عدت إلى بلادي وقد استحال والإعجاب إيماناً بكل ما هو غربي. . .!)
هذه الكلمة، وفيها صراحة الرأي على ما يمكن أن يلقي هذا الرأي من شدة المقاومة، هي نهج المؤلف ورائده ورفيقه طوال مدة الرحلة؛ وهي نفسه الصريحة التي تتراءى للقارئ في كل صفحة من كل موضوع في كل فصل مما أنشأ المؤلف من فصول هذا الكتاب. وإنني - على يقيني بأن هذا الرأي لن يجد له نصيراً عند كثير من القراء، وبأن حظه من الاستنكار سيكون اكثر من حظه من الرضا - أكاد أوقن بأن كثيراً من القراء سيخرجون من قراءة هذا الكتاب أكثر إعجاباً بالكتاب ومؤلفه على ما بينهم وبينه من اختلاف في الرأي والمذهب والعقيدة، وأشد استمساكاً برأيهم ومذهبهم وعقيدتهم فيما بين الشرق والغرب. . .
وإنني لأبيح لنفسي وقد قرأت هذا الكتاب وحللت صداه في نفسي - أن أتقحم على قدس هذا الرأي في نفس الدكتور حسين فوزي، فأزعم أنه مؤمن بالشرق وما فيه إيمان الرأي والعقيدة والدم المورث؛ وما هذا الرأي الذي يجهر به إلا صدى معكوس لبعض هذا الإيمان، أنشأه في نفسه إحساس قوي بمحبة هذا الشرق، ورغبة غالبة في إنهاضه، وأسف بالغ لما صار إليه؛ ثم ثورة فائرة في أعماقه على أكثر ما يرى ويحس من عادات الشرقيين وتقاليدهم؛ فلما هم أن يصيح صيحته قائلاً:(يا بني قومي، ليست هذه روحانية الشرق وليست هذه مفاخرة. . .) عقه البيان فلم يجد إلا هذه العبارة التي صدر بها كتابه يترجم عن ذات نفسه في لغة من لغة الغرب الذي تعلم فيه فتكلم بلسانه. . .
على أن هذا الشرق الذي رآه الدكتور حسين فوزي بعينيه ليس هو الشرق الذي ندعو إلى