إحياء مجده وتجديد حضارته. إن للشرق حضارة أخرى لا تجتليها العين ولا تدركها المشاهدة فقد درست معالم هذه الحضارة فلم يبق منها فيما تراه العين إلا أرض وناس، وتاريخ يتحدث عن ماضي يخزى من ذكر حاضره. وليس الشرق هو هذا الهند الغارق في العبودية والأسر والهوان، ولا هذه الجزر المبعثرة بين شواطئ المحيط الهندي والبحر الأحمر؛ ولكن الشرق معنى عام إن لم يبد اليوم لعينيه فيما شاهد من نؤى وآثار وحجارة مركومة، فان حرياً أن يشرق في نفسه معناه إن حاول أن ينفذ بعينيه إلى ما وراء ما يرى من آثار وحجارة وناس. . .
على أنني في هذا الموضوع لست أريد الحديث عن شرق وغرب، فما هو إلا معنى يستتبع معنى، وإنما أردت أن أعرض هذا المؤلف الجديد بما فيه من رأي صاحبه وفكره، واحسبني قد بلغت في ذلك مبلغاً ما.
ولا يفوتني قبل أن أفرغ من هذا الحديث أن أنوه بالروح الأدبي الذي ألهم مثل الدكتور فوزي أن يؤلف هذه الفصول الشائقة في مثل هذه الرحلة العلمية، على أن هذا الموضوع كان حقيقاً بأن يكون أقرب إلى الكمال وأكثر جدوى وفائدة لو أن مؤلفه (العالم) لم يضن بعلمه على قرائه فيما أنشأ من فصول هذا الكتاب. ولعله حسب ذلك مما لا يهم القراء، على أنه كان عندي وسيلة يكمل بها فما أجمل أن يكون بين علمائنا الأجلاء أديب مثل الأستاذ فوزي في دقة الملاحظة وصراحة الخلق وفكاهة الواقع وخفة الروح وسهولة الكتابة، ليقدم لقراء العربية شيئاً من (الأدب العلمي) أو (العلم الأدبي) فان العربية في حاجة إلى هذا اللون الجديد من أدب الإنشاء الذي لا يقدر على مثله إلا مثل الدكتور حسين فوزي في علمه وأدبه.
وما أريد أن أتحدث عن هذا الكتاب في أسلوبه ولغته؛ إذ لم يكن مما يعني الدكتور فوزي أن أتكلم في هذا الكتاب عن أسلوبه ولغته؛ وإذا لم يكن من حقنا أن نتحدث عن مثل هذا الكتاب في أسلوبه ولغته، لذلك نغض النظر عما فيه من هذا الباب، راجين أن يكون لنا حديث آخر عن كتاب آخر أو كتب أخرى يخرجها الدكتور حسين فوزي لقراء العربية؛ فانه لمما يؤسف قراء العربية أن يكون فيها مثل الدكتور حسين فوزي من الأدباء المجهولين لأنهم لا يخرجون ثمرات عقولهم إلى القراء. . .