هذه الكلمة التي يرددها (زرادشت) حين يقول: (تسألونني لماذا؟ أنا لست ممن يسألون حين يعملون لماذا؟) وهذه صفة نفس لا تعتمد إلا على إرادتها، تحتمل الألم وتصدمه ثم تهزمه، وتقابل القدر وتعلن سيادتها عليه
أطوار حياته
كان هوى نيتشه الراسخ في صدره هو العثور على الحقيقة، فلننظر أي طريق ركب إليها، وما هي الدوافع التي هيمنت عليه؟
كان نيتشه يمت بنسب قوي إلى أسرة مغرقة في دينها، متشددة متعصبة، مع ميل إلى الدراسة العلمية، قرن والده العلم إلى الدين؛ وما كان لنيتشه أن يبدل هذا السبيل الذي اختاره له والده واختارته طبيعته، وقد عرفه أصدقاء حداثته مغالياً في دينه وفي تقواه، ولا عجب إذا أطلقوا علي - وهو في السادسة من عمره - أسم العابد الصغير؛ حتى إذا ما أتم دراسته الأولى خرج إلى الحياة وهو لا يزال يفكر في ربّه، ولا يفكر بنعمته، ولا يجحد وجوده. وما هي إلا أعوام كرت حتى أخذ يرتاب في الدين الملاصق للعلم، لأن ما في الدين من إيمان لا يلائم في رأيه ما في العلم من حرية وانطلاق! وهو عندما يعمل على درس الطبيعة والتاريخ متوخياً الحقيقة من وراء دراساته يجد في عمله هذا ما يسمح له بأن يكون طليقاً حراً لا يسترقه شيء. ومنذ ذلك الحين بدأ يطمع في الحقيقة العلمية التي يقتفي أثرها فكره الضائع دون أن يفقد الله الساكن في أحناء صدره. ولكن ناشد الحقيقة العلمية لا يتسنى له أن يوفق زمناً طويلاً بين حقيقته المنشودة وبين إيمانه الموروث. فهما حقيقتان متضادتان، إذا تلائمتا في أول الطريق فنزاعهما حقيق في وسطه، وإذا توافقتا في وسطه فالخلاف ناشب في منتهاه. وهاهو ذا نيتشه يفصل الآن بين هاتين الحقيقتين، ويكتب عام ١٨٦٢ تجربة فلسفية على القدر والتاريخ، يحدثنا إنه قاس بعقله (أوقيانوس الأفكار الواسع، وهم بأن يجازف بنفسه في بحر الشك، ولكنه وجد إن مجازفة مثل روحه الضعيفة تجاربها ضرب من الجنون وهي لا تملك عدة، ولا تحمل سلاحاً) ومنذ تلك اللحظة ألقى إن الديانة المسيحية مبنية على افتراضات وهمية. إما وجود الله والخلود والوحي فستبقى جميعها مسائل لا حل لها. (إنني جربت أن أكفر بكل هذا، وما أيسر الهدم! ولكن الهدم يستلزم البناء. . . على إن الهدم والتخريب هما أصعب مما تتمثله عقولنا، فنحن في