اتصلت بدار العلوم فدرست فيها علم الفلك الحديث بعد ما درست القديم في الفلسفة. هنالك دهشت أعظم الدهش وقلت في نفسي: هذه فرصة سانحة، فهاهم أولاء علماء الأمم قديماً وحديثاً نظروا فيما كنت حائراً فيه في حقلنا (أ) نظروا في مقادير المادة المسماة عندهم (بالكم) المتصل والمنفصل من الهندسة وعلم الفلك ومن الحساب والموسيقى فقاسوا هذا العالم وحسبوا الكواكب أبعاداً وأحجاماً وحركات فأرونا السنين والشهور والفصول وأوقات الخسوف والكسوف - الله أكبر. نظام بديع. حركات منظمة هذه أعز مطالبي وأجل ما أتمناه. إني لسعيد جد سعيد. كيف لا أكون سعيداً؟ ألم يظهر العلم أن أبعد السيارات نفسها عن الشمس جاريات على سنن المتوالية الهندسية كما كشفه العلامة (يود): ٣ - ٦ - ١٢ - ٢٤ - ٤٨ - الخ.
(ب) ثم أن العلماء لم يقفوا عند هذا الحد من البحث فإنهم نظروا في أشكال المادة وتنوعها فكانت العلوم الطبيعية وقد أحاطت بها العلوم الرياضية حتى إنهم رأوا في نحو الأحجار الساقطة نظماً حسابياً يرجع إلى الجذر والتربيع والمتواليات العددية، ويدهش الحكيم حينما يرى الجذر والتربيع مسيطرين على حساب البنادل المختلفة الأطوال وحركات الضوء والصوت والحرارة والكهرباء.
نظام العناصر ونظام أوراق النبات.
وقد أدهشني أن للعناصر المشهورة اليوم (المبدوءة بالأيدروجين المختومة بعنصر (أورانيوم)) جدولا يضم متفرقها ويجعل بينها نسباً أفقية وأخرى رأسية بحيث ترى أن كل عنصر لو وضع في غير موضعه لاختل جميع النظام - يا عجبا! أيصل النظام إلى هذا الحد؟ أكسجين في الماء وفي الهواء، وحديد ونحاس في الجبال، وصوديوم وكلور كامنان في الملح المغمور بالماء في البحار، كيف يكون لها هذا الجدول المنظم وتكون بينها هذه النسب البديعة؟ فأما هذا الإنسان الذي له السلطان الأعظم وهو الغاية القصوى من هذه العوالم فلا يكون له نظام؟ كلا العقل ينكر هذا - هاهنا تحل مشكلة العالم - هاهنا مركز الدائرة - هاهنا عرفنا سبب النزاع المقام بين الأسرات والممالك - هاأنذا عرفت سبب لجمال في الحقول وفي السموات نهارً وليلاً، فأما أسباب الشقاق والنزاع بين الناس فالبحث جاري فيه الآن كما ستراه.