وكما رأينا نظام العناصر المختلفة في جدولها تاماً رأينا لأوراق النبات على الأشجار المختلفة جداول منظمة ذوات نسب في الصفوف الرأسية والصفوف الأفقية، ولا مناص لي من الاكتفاء بالإشارة إليها في هذا المقال حرصاً على وقت القارئ الكريم، وتفصيل هذا وما قبله في كتاب أحلام في السياسة موضحاً مصوراً تصويراً شمسياً. وهل في شرعة الإنصاف أن تعتبر أفراد إنسان في هذا العالم كمية مهملة لا نظام يجمعهم، ولا قانون يكبحهم؟ وقد رأينا النسب والقوانين لم تذر ذرات الأيدروجين مع ذرات الصوديوم، ولا ورقات التفاح مع ورقات الأعشاب، ولا حركات سقوط الأحجار، إلى آخر ما قدمنا، كلا كلا. إن قوى نوع الإنسان وعقوله لها نسب خفية، وكل امرئ في الأرض له نسبة إلى غيره في أمته وفي غيرها، ولما خفي ذلك على الناس حاروا في أمرهم فلم يجدوا مناصاً من الحرب لأنهم لم يهتدوا إلى نظامهم، فكل يزعم أن له عند آخر حقاً يريد أخذه بالقوة.
منفعة جوارح الطير والحيوانات المفترسة لهذا العالم الأرضي
وسعد الناس على ذلك أنهم رأوا جوارح الطير تأكل بغاثها والأسود والنمور تأكل الأرانب والحملان، فأخذ القوي يسطو على الضعيف. أو ما علموا أن ههنا نظاماً درسه علماء الأمم قديماً وحديثاً، فعلموا أن الحشرات تمتص العفونة والرطوبة اللتين لو بقيتا لأحدثتا في الجو فساداً فهلك الحيوان والإنسان، وهذه الحشرات بعد تأدية وظيفتها تصبح طعاماً سائغاً للطيور ونحوه ولو بقيت لكانت ضرراً وبيلاً. وهذه الطيور الكثيرة في الجو والحيوانات التي تأكل النبات تهاجما في الحياة كواسر الطير وسباع الفلوات وتأكل رممها بعد الموت حفاظً للجو من مكروباتها وإلا يفسد الهواء وكان الوباء العام، وروعيت الحكمة في قلة توالد نحو الأسود وكثرة توالد نحو الأرانب والجرذان، ثم روعيت الحكمة في الرحمة الملحوظة في المواد لمخدرة التي تفرغها العنكبوت مثلاً في الذبابة عند اقتناصها فتكون مخدرة لا تحس بآلام.
لم يفكر العامة والجهلاء في ذلك وتبعهم رجال السياسة في سائر أقطار الأمم الأرضية. إن هذه النظرة السطحية في العلم قد آن أن يسقطه البرهان ويدحضه نوع الإنسان لأنهم درسوا.