لقد استبان للناس في عصرنا أن للنحل وللنمل ولكلاب البحر وللغربان نظماً عجيباً. وإن أبدع ما أدهشني مما اطلعت عليه نظام النمل الأبيض ذلك لذي ألف فيه العلامة (أوزوريك) الألماني في عصرنا الحاضر كتاباً خاصاً عنوانه النمل الأبيض وانتشر بجميع اللغات فترى فيه صورة الملكة وبجانبها الملك وهو أصغر منها جثة وقد رأيتها تحكم مملكة متسعة الأرجاء وهي عمياء وتحت إشرافها عمال وجنود يحفظون الأمن، ويشيد عمالها ممالك في الصحارى لم يقطعها الفرنسيون بمد السكة الحديدية إلا بالديناميت وهؤلاء العمال لهم نظام فوق كل نظام وعدل، ومنهم حراس في غاية الانتظام يقظون بل وصلوا على ما يقال إلى استنباط الماء من أوكسجين المادة وأيدروجينها، هذا هو النظام الذي يعيش على مقتضاه النمل الأبيض الذي تدير سلطانه ملكة واحدة تحت إمرتها عدد يبلغ أضعافاً مضاعفة لعدد الإنسان على وجه الأرض. يظن علماء العصر أن أمثال هذه الحشرات عاشت قبل الإنسان بما يزيد على ثلاثمائة مليون سنة وأن الإنسان لم يعيش عليها أكثر من ثلثمائة ألف سنة فتم نظام الأول ونقص نظام الثاني.
كافح الإنسان الأول أشد الكفاح ليصل إلى الحقيقة عن طريق القتال وساعده على ذلك تباعد الديار وحيلولة البحار والجبال بين الأمم - وهاهو ذا اليوم أزال الحواجز بالطيارات الطائرات والتلغراف بقسميه والراديو فاتصلت الأمم فآن لهم أن يفكروا - وهاهنا خاطبنا علماء الأمم وذكرناهم بأن نوع الإنسان لن يشذ عن قاعدة هذه المخلوقات - إننا نرى الحكماء والأذكياء في نوع الإنسان أقل عدداً من غيرهم كما قل البارعون في الجمال، ويقول أفلاطون قديماً: الناس ذهب وفضة ونحاس يريد بذلك الحكماء ورجال الجيش ثم الزراع والعمال وإضرابهم من سائر الناس. إذاً لم يتجاوز الإنسان نظام المعادن ونظام الهواء والماء، فقد قل الذهب ليصلح لتقويم الأشياء وكثر الحديد لكثرة الحاجة إليه، كما كثر الهواء وقل عنه الماء، فإن حاجة الحيوان إلى التنفس أكثر منها إلى شرب الماء.
النظام التام في المستقبل لنوع الإنسان
إن هنا لمنافع مادية وخواص طبيعية موزعة على الأرض، وما حولها من المخلوقات، وهاهنا قوى وأقدار موزعات على أفراد نوع الإنسان. إن هذه المواهب الإنسانية تقابل هذه