للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الشباب؛ ثم هو يشير حين التحدث عن اعتزامه كتابة موسوعته عن الأندلس إلى شبابه الذاهب الذي قضاه بالمغرب قبل وفوده على مصر سنة ١٠٢٧هـ، وفي هذه الإشارة أيضاً ما يدل على أن المقري حين مقدمه إلى مصر، كان قد طوى مرحلة الشباب الأولى؛ وربما كان يومئذ في نحو الخامسة والثلاثين من عمره؛ وعلى ذلك يكون مولده قبل الألف بنحو ثمانية أعوام؛ أعني حوالي سنة ٩٩٢هـ (١٥٨٤) م

ونشأ المقري في تلمسان، التي نشأ بها أبوه وأجداده من قبل، وتلقى بها دراسته الأولى، ودرس الأدب والحديث والفقه المالكي دراسة حسنة، وكان بين أساتذته عمه أبو عثمان سعيد المقري مفتي تلسمان؛ وكانت تلمسان مازالت حتى عصره من أهم مراكز الدراسة الدينية بالمغرب، وزار فاس لأول مرة سنة ١٠٠٩هـ، وقضى بها حيناً في الدرس؛ ثم زارها مرة أخرى في سنة ١٠١١؛ ثم استقر بها منذ سنة ١٠١٣. وكان ذلك في فاتحة عصر السلطان أبي المعالي زيدان السعدي؛ وسنحت له في فاس عاصمة المغرب الدينية والعلمية فرص الدرس المستفيض، ولاسيما في المكتبة السلطانية؛ واتصل بمولاي زيدان وآله الأشراف السعديين أمراء مراكش، وولي الإمامة والخطابة لجامع القرويين الشهير، ثم ولي الإفتاء، واستمر في منصبه حتى سنة ١٠٢٧هـ

وفي أواخر سنة ١٠٢٧هـ، اعتزم المقري الرحلة إلى المشرق. والظاهر أنه لم يعقد هذا العزم مختاراً، وأنه أرغم عليه لأسباب وظروف يشير إليها، ولا يوضحها؛ فهو يقول لنا أنه (لما قضى الملك الذي ليس لعبيده في أحكامه تعقب أورد. . . برحلتي من بلادي، ونقلتي عن محل طارفي وتلادي، لقطر المغرب الأقصى، الذي تمت محاسنه لولا أن سماسرة الفتن سامت بضائع أمنه نقصاً، وطما به بحر الأهوال. . . وذلك في أواخر رمضان من عام سبعة وعشرين بعد الألف، تاركاً المنصب والأهل والوطن والألف. . .) أما هذه الظروف التي يشير إليها المقري والتي قضت عليه بالرحيل عن الوطن، فنستطيع فهمها على ضوء الحوادث التي كانت تجوزها مملكة فاس يومئذ؛ فقد تولى مولاي زيدان الملك دون أخويه المأمون، وأبي فارس (سنة ١٠١٣هـ) ولم يلبث أن نشبت بينهما حروب أهلية متوالية؛ وهزم مولاي زيدان أولاً، وفر إلى تلمسان، ثم استعاد ملكه بعد عدة محاولات دموية، وبعد أن أجلي عنه غير مرة، في سنة ١١٠٨هـ؛ بيد أن عهده كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>