إماما عن امام، وشب دعبل عن الطوق، واصطنع الشعر يعرضه على شعراء عصره، وكان مسلم بن الوليد أدناهم إلى نفسه؛ فما زال هذا شأنه حتى أمره أستاذه بإذاعة شعره؛ لأنه آنس منه إجادة، ورأى فيه روعة، وكان أبدع ما انشد ما قاله في مدح آل علي وذكر مناقبهم، وتعداد آثارهم، ورثاء قتلاهم، والتحسر على صرعاهم حتى صار بحق شاعرهم الذائد عن حياضهم، والثابت على ولائه لهم، لا يخشى في حبهم لوما ولا يخاف من إعلانه سخطا، بل هو بادي الخلفاء العداء، فالملك لله وحده، وأينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة؛ فماذا يبعث في نفسه الهلع وهو ينصر آل الرسول؟ ولكن أليس الرعديد الخوار قرأ هذه الآية كما قرأها دعبل؟ لقد قرأها ولكن هلعه أنساه إياها، وذكره بقول الله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فهو يتقي الشر ويتحاشى أن يقع فيه، ولكن دعبلا كان يرى في نصرة آل علي يدعو لله ويدفع عن آل رسول الله، فإن فاته زخرف الدنيا؛ لم يفته اجر الآخرة؛ إلى انه يتصف بخلال نبيلة عدا الشجاعة في الحق، والجرأة في الذود عنه شجاعة وجرأة يحسبهما الجبان طيشا وحمقا ويراهما الشهم النبيل رجولة ومنة، ولله قول القائل فإنه ليصور في وصفه دعبلا:
قل للجبان إذا تأخر سرجه ... هل أنت من شرك المنية ناجي
كانت حياة دعبل أصدق مثل على أن الآجال موقوتة لا تستأخر ولا تستقدم، فإنه عادى أولي البطش والطول، وبادي البغضاء ذوي القوة والحول عداوة لدودة لا تعرف هوادة، يذمهم ويقذع في ذمه، ويهجوهم ويفحش في هجوه، غير عابئ بما قد يصيبه فأرض الله واسعة وإذا قلته دار أقلته ديار، وحسبه أن يجد من يقاسمه زاده ويشاطره رأيه، روى عنه انه قال:(لي خمسون سنة احمل خشبتي على ظهري أدور على من يصلبني عليها فلا أجد من يفعل ذلك).
والسر في شجاعته انه كان أول أمره وبدء نشأته من قطاع الطريق وولغة دماء البشر، ويميل إلى إشهار الشر، ورفع يد البغي في وجوه من يحاولون مساءته، قال له أبو خالد الخزاعي: ويحك! قد هجوت الخلفاء والوزراء والقواد، ووترت الناس جميعا، فأنت دهرك كله طريد شريد، هارب خائف، فلو كففت عن هذا، وصرفت هذا الشر عن نفسك؟ فقال له: ويحك! إني تأملت ما تقول، فوجدت أكثر الناس لا ينتفع بهم إلا على رهبة، ولا يبالي