للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القرآن، ويتعاونوا على الخير، ويفكروا فيما يرفع شأن دينهم ويحقق لهم أمانيهم. . . وما إن دخل المسجد حتى ألفى نفسه وحيداً بين شيوخ كبار، وصبية صغار، يركعون ويسجدون، ويضرعون ويبتهلون، فراعه أن يجد المسجد على غير ما ألفه، واستوضح من القوم الخبر فأنبؤوه بأن الرسول في غزوة يقاتل المشركين. . . فأفلت من يده ودمعت عينه ندماً على ما فاته من الجهاد مع رسول الله، ورجع خائباً إلى بيته وفي قلبه أسى وفي صدره غصة وفي نفسه حسرة!

ورجع المسلمون من (بدر)، وقد نصر الله حزبه وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وقتلوا من قريش مقتلة عظيمة، ونالوا منها مغانم كثيرة، ومكن الله للمسلمين من أعدائهم حتى صرعوا رؤوس الجاهلية وأقطاب الشرك. . . عادوا وأكاليل النصر فوق هاماتهم يتقدمهم الرسول الكريم، فاستقبلتهم المدينة جذلة فرحة، وزغرد النساء، وأنشد الصبيان، والقلوب مفعمة بالعزة والفرح. . . وجاء (كعب بن مالك) شاعر الرسول ينشد:

عجيب لأمر الله والله قادر ... على ما أراد ليس لله قاهر

قضى يوم بدر أن نلاقي معشراً ... بغوا وسبيل البغي بالناس جائر

وقد حشدوا واستنفروا من يليهم ... من الناس حتى جمعهم متكاثر

وفينا رسول الله والأوس حوله ... له معقل منهم عزيز وناصر

فلما لقيناهم وكل مجاهد ... لأصحابه مستبسل النفس صابر

شهدنا بأن الله لا رب غيرُه ... وأن رسول الله بالحق ظاهر

وقد عريت بيض خفاف كأنها ... مقاييس يزهيها لعينيك شاهر

بهن أبدنا جمعهم فتبددوا ... وكان يلاقي الحين من هو فاجر

فكب أو جهل صريعاً لوجهه ... وعتبة قد غادرنه وهو عاثر

لأمر أراد الله أن يهلكوا به ... وليس لأمر حمَّه الله زاجر

وما إن استقر بالرسول المقام ووزع الغنائم على الجنود وأعطى كل ذي حق حقه حتى جاءه (أنس بن النضر) والدموع تذرف من عينيه والأسى يعقد لسانه والحسرة تلوح من أسارير جبينه. . . جلس أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ليعتذر عما صنع ويعطيه عهداً وموثقاً على أن يكون الجندي الأمين و (الفدائي) الصادق إذا ما حارب الرسول المشركين

<<  <  ج:
ص:  >  >>