قال:(يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين. لئن الله أشهدني قتال المشركين. . . ليرين الله ما أصنع. . .
رجعت قريش إلى مكة تبكي قتلاها وناح النساء عليهم شهراً كاملاً بعد أن جززن رؤوسهن. . . رجعوا وقد تركت (بدر) في نفوسهم أثراً عميقاً حز في قلوبهم وحفزهم إلى العمل على الأخذ بالثأر ولم الشعث وجمع الشتات والاستعداد لمعركة أخرى ينتقمون فيها لما أصاب ساداتهم يوم بدر ويمحون عار الهزيمة الذي لحقهم وكاد يودي بمكانتهم بين العرب وقد أدركوا أنهم إن لم يأخذوا على يد هؤلاء المسلمين ويفصموا عروتهم ويضعفوا قوتهم فسيقضي على قريش بالذلة والضعة بعد العزة والمنعة.
وعزموا على القتال وحشدوا الجموع وجهزوا الجيش والتقوا مع المسلمين جانب (أحد) وكان المسلمون إذ ذاك قلة وقد باغتهم العدو وأصبح قريباً من ديارهم. . وكان اليوم جمعة، فصلى الرسول بالناس وأخبرهم بأن النصر لهم ما صبروا، وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم؛ ولبس لأمة الحرب وتقلد السيف وتقدم بالمسلمين نحو (أحد) وأمر بعضاً من أصحابه أن يرابطوا في أعلى الجبل وأن يرشقوا المشركين بالسهام، وأوصاهم بأن لا يتركوا مكانهم حتى ولو ظهر المسلمون على أعدائهم. . . ودقت الساعة وابتدأت المعركة فكان النصر فيها باديء ذي بدء حليف المسلمين إذ حملوا على أعدائهم حملات صادقة زعزعتهم وقذفت في قلوبهم الرعب وأدركوا أنهم إزاء قوم ذوي بأس شديد يكرهون الحياة ويطلبون الموت نصرة للعقيدة ودفاعاً عن المبدأ. . فتراجعوا وفروا منهزمين. . ولما رأى (النابلة) أن العدو قد انهزم وترك وراءه الأموال والمتاع والسلاح نسوا أمر رسول الله فتركوا أماكنهم وأسرعوا لينالوا ما بقى من الغنائم. . وهنا اغتنم الأعداء الفرصة فكروا عليهم من خلفهم وأخذوا مواقعهم وأشروا عليهم وشرعوا يرمونهم بالنبال، وجعل الفرسان يحملون عليهم بالسيوف حتى رجحت كفة الأعداء وكاد يقضي على المسلمين. . .
رأى (أنس بن النضر) ما أصاب المسلمين وكيف أن الله قد أخدهم ببعض ما كسبوا، وذكر العهد الذي قطعه لرسول الله على نفسه، وثارت في نفسه عزة الإسلام وطفرت الدمعة من عينيه حزناً على ما أصاب المسلمين فرفع يديه إلى السماء وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما