ترقرق المطر فبلل الكون برذاذه، ولا مس الأرض بقطراته، ثم جاءت السماء بماء منهمر؛ وطاب لي السير تحت وابله وطله، متفيئة بوارف الشجر وظله.
واهاً للمطر في الربيع! ما أرقه وأعذبه! ما أروع الأغصان الدانية، وقد كللها الزهر الزاهي، وتهاوت عليها ظلال النوّار الضاحي، وماء المطر الضافي؛ فانتشر منها أريج يفوح بالعطر الزكي، والعرف الندي؛ وطاف بالنفس الولهى فأطربها، وحلق فوق الروح الحيرى فأنعشها. ولاح سنا محياي مشرق الضياء، ساطع اللألاء!
واحسرتاه! كم من الأزهار النضرة مبعثرة في الفضاء؟ كم من الورود العبقة ملقاة في مدارج الفناء؟ فرحمة بها يا حبيبتي ورفقاً! إدخريها للنحل، كي لا تهب عطرها للريح، وتذهب أدراجها برياها وجناها، ملوثة بطين الأرض وأقذارها.