نواحي ميناء السويس حيث كانت باخرة الزيت أرتيناشل راسية فنقلنا إليها ما أحضرناه من متاع وأجهزة، وقبل الظهر بنصف ساعة وصل الربان وأعطى إشارة القيام، فسارت بنا الباخرة نحو الجنوب وسط جو هادئ وبحر ساكن، وبعد قليل دعينا لتناول الطعام مع الكابتن بيس ربان السفينة فتلقانا في حجرة المائدة مرحباً وتبسط معنا في الحديث وأفاض بكلام رقيق تتخلله النكتة الرائقة والفكاهة الحلوة، وبعد أكلة شهية اجتمعنا على السطح، وأخذنا نشاهد معالم الشاطئ من خلجان وجزر ومنارات وجبال، وفي الأصيل تناولنا الشاي، وعند الغروب تعشينا ثم قضينا سهرة لطيفة في لعب ومسامرة.
كان الوقت صيفاً، فنمنا على السطح، واستيقظنا في اليوم التالي مع بزوغ الشمس، وكانت السفينة تسير عندئذ أمام رأس محمد، الطرف الجنوبي لسيناء، ثم أخذ البحر أمامنا في الانفراج
وبعد قليل اختفى الشاطئ الشرقي عن الإبصار، ثم مال بنا الطريق نحو الجنوب الغربي، ودخلنا مضيقاً واسعاً في الغرب من جزيرة شدوان، وعند الساعة العاشرة صباحاً لاحت في الأفق معالم الغردقة، نقط بيضاء وخطوط سوداء، عبارة عن خزانات الزيت وأبراج الآبار - وقبيل الظهر مرت الباخرة أمام الطرف الشمالي لجزيرة الجفاتين، ثم دخلت الميناء بسلام ورست حذاء رصيف خشبي يحمل أنابيب كبيرة تتصل بالشاطئ، وذلك للشحن والتفريغ: شحن الباخرة بالزيت، وتفريغ الماء العذب منها
يشرف على الميناء أما الرصيف منزل إنيق، يقيم فيه مدير الشركة، وخلفه على ربوة عالية خزان ضخم (فنطاس) يسيل الزيت الخام منه إلى أحواض الباخرة عند الشحن - وعلى مسافة قليلة من الميناء مكاتب مصلحة الحدود يرفرف على ساريتها العلم المصري الكريم
نزلنا إلى البر وركبنا السيارات، فانطلقت بنا إلى محطة الأحياء المائية على عشرة كيلو مترات جهة الشمال، والطريق إليها مرصوف ينحني في أوله ليدور حول تل عال مشرف على البحر، ثم يستقيم ويخترق منشآت شركة الزيت: فأبراج عالية هنا وهناك على اليمين وأخرى على اليسار، ومساكن العمال والمسجد والكنيسة، ومكتب البريد، ومكاتب الشركة ومصانعها ثم (فيللات) الموظفين والنادي كلها منثورة في فضاء واسع تتخللها الشوارع