العالم، ولا الدول المخلصة من دول العالم، أن نظام الحكم الوراثي سينال لدى المسئولين شيئاً من العطف، وما قام الجيش الباسل بثورته إلا ليقوض أركان الفوضى التي كانت أثرا من آثاره. لقد كان كل من سبق (فاروقاً) إلى الجلوس على العرش طاغية، وسيكون - لا قدر الله - كل من سيخلف فاروقا طاغية أيضا، وكأن مصر لن تتفرغ إلا لمشاهدة الكفاح بين الشعب والطاغية المتربع على العرش، وهي في مسيس الحاجة إلى الاستقرار لتبلغ المكانة الجديرة بها، وليصل شعبها إلى حيث يعيش كريماً أبياً.
ولا ريب في أن القضاء على نظام الحكم الوراثي، خطوة موفقة يرحب بها الإسلام ويفسح لها صدره، لأنه نظام قائم على أسس متراقصة من الباطل، فهو يعتبر الملك في درجة الآلهة، ويعتبر الملك فوق القانون، ويخول لأسرته أن تعيث في الأرض فسادا دون أن يجرؤ القانون على مجرد سؤالها، وهو نظام يفرض على الشعب الوارث للملك ولو كان مخبولاً أو معتوهاً أو فاجراً أو عربيداً.
ولهذا كله ينكر الإسلام أشد الإنكار على هذا النظام المعتل لأن الإسلام أقوى وأعدلمن أن يرضى لإنسان - كائناً من كان - أن يكون فوق القانون، بل إنه يعتبر مسئولية الحاكم أشق من مسئولية العامة، لأنه راع لابد أن يسأل عن رعيته، ولا يعفيه القانون من العقاب ولا أسرته إذا فعلوا ما يستحقون عليه العقاب وهاهو ذا كتاب الله يخاطب محمداً (ص):
. . . (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلاً، إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات، ثم لا تجد لك علينا نصيرا)
وهاهو ذا محمد (ص) يخاطب من حوله في أحرج ساعات الموت:
(إلا من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد).
وهاهو ذا (ص) يخاطب أسامة حين جاءه يشفع في حد من حدود الله:. . لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها!
والإسلام يعتبر الحكم من حق المسلمين جميعاً، يولون من يرضونه لدينه وخلقه، ولا يمكن أن يقر احتكار أسرة من الأسر له، ولم يكن في استطاعة محمد (ص) أن يؤثر بالخلافة من بعده واحداً من بني هاشم عصبيته، بل ولم يكن في استطاعته أن يوصي بالخلافة من بعده لأي إنسان. ولقد حدث حين عرض الرسول نفسه على بني عامر أن قال له أحدهم: (أ