للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

رأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك. أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء. .)

وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي لم يستطيعوا أن يؤثروا بالخلافة من بعدهم أحدا من عصبياتهم ولا أن يفرضوا على المسلمين واحدا من ذوي رحمهم، لان إيمانهم يحول دون أن يخالفوا صاحبهم، أو يحدثوا حدثاً في الإسلام ليشعلوا الفتنة. وأي فتنة أكبر من الحكم الوراثي البغيض، والاستبداد بوضع هو من حق المسلمين على السواء؟

نعم، حدث أن أشار أبو بكر على المسلمين بعمر، كما أشار عمر على المسلمين باختيار واحد من ستة من كبار الصحابة. . مات رسول الله (ص) وهو عنهم راض، وهم (عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام) وان يشهد الانتخاب عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء، حدث هذا وذاك من أبي بكر وعمر، ولكن لم يكن إلا من قبيل النصح والإشارة، لا من قبيل الفرض والإكراه، ولولا أن أبا بكر لمس الموافقة من المسلمين بالإجماع لما كان عمر خليفة، ولولا أن عمر لمس الموافقة من المسلمين بالإجماع لما كان واحد من الستة خليفة، وقد كان يمكن التكلم في حق أبي بكر وعمر، لو أن واحدا منهما أوصى بالخلافة لواحد من أبناءه، ولكن لم يحدث شيء من هذا.

لقد زين المغيرة بن شعبة لعمر أن يستخلف ابنه من بعده فأبى وهو يقول: (لا إرب لنا في أموركم، وما حمدتها فأرغب فيها لأحد من بيتي، إن كان خيرا فقد أصبنا منه، وإن كان شرا فبحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد).

ولقد أشير علي كرم الله وجهه وهو يجود بنفسه أن يوصي بالخلافة فقال: (لا آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر بأمور دنياكم)

أما ما حدث في عهد معاوية من استبداده بالأمر وجعله وراثياً من بعده، فلم يكن من الإسلام في شيء، وليس من الحكمة الخوض في هذه المسألة الدقيقة، ولقد يكون معاوية قد تأول فأخطأ وقد يكون قد استبد بالأمر دون تأول، والمهم أن يفهم أن الإسلام يقرر النظم الصالحة، وليس مسئولاً بعد هذا عن استبداد ولاة الأمور ولا يلقي المسئولية إلا على عاتق الرعية المتخاذلة المستضعفة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>