للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولقد كان عمر بن عبد العزيز واحداً من عصبية معاوية، ولكنه لم يرض عن نظام الحكم الوراثي لأنه لا يعتمد على مشورة المسلمين، وحين آل إليه الأمر بالوراثة صعد المنبر ثم قال:

(أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي مني فيه ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعة، فاختاروا لأنفسكم) فتصارع من بالمسجد وقالوا بصوت واحد: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ولولا هذا الإجماع في الرضا ما قبل أن يكون خليفة بالوراثة، وهو يعلم أن في الحكم الوراثي خروجا عن نظم الإسلام.

وبعد - فإن باستطاعة مصر اليوم أن تتخلص من أوحال الماضي وأوزاره، ولم يصنع هذه الأوحال والأوزار إلا الملكية، التي أثبتت خلال قرن ونصف قرن من الزمن أنها أصل الفساد في كل ما أصاب مصر من التأخر، وأصاب شعبها من التقهقر، ولقد كانت هذه الملكية عقبة في سبيل الإسلام حتى لم يستطع من فوق أرض مصر أن يؤدي رسالته ويجهر بها، فهي التي قدمت للشعب المصري المسلم - وعلى أيدي فجرة بعض رجال الدين - إسلاماً زائفاً هزيلاً لا يمت إلى الإسلام الصحيح بصلة، إسلاماً زائفاً هزيلاً يترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله، ويدع ولاة الأمور يستبدون ويفجرون ويبطشون، ويقنع الشعب بالصبر والمصابرة، والتسليم والمسالمة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولاً.

نحن دولة مسلمة، ولا يمكن أن نتهاون في هذه الحقيقة ولو بذلنا آخر قطرة من دمائنا، ومن حق الإسلام علينا أن نجهر بالحق لا نخاف في الله لومة لائم، ومن الحق الذي يجب علينا أن نجهر به اليوم، هو أن الإسلام لا يقر الملكية الوراثية بحال من الأحوال، فليتدبر هذا جيدا المسئولون وغير المسئولين.

محمد عبد الله السماق

<<  <  ج:
ص:  >  >>