للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك كان رجع الصدى!

وفي ظلال صخور الحرة من ذي المروة على سيف البحر، كانت جموع تتجمع، وكما تجتمع الظلال ثم تفترق فتراها العيون ولا تلمسها الأيدي، كان أبو بصير وصحابته؛ وانطلق السجناء من محابسهم يدرعون الظلماء من كل حدب ليجتمعوا بذي المروة؛ وركز أبو بصير رايته في الوادي الأفيح يستظل بها بضع عشرات مرابطين على طريق قريش لكل غادية ورائحة؛ وانثال عليه المدد، فإذا العشرات بضع مئين؛ وعسكرت (كتيبة الإيمان) على الطريق تحمي الحمى وتمنع الجار، وكان على الميمنة (أبو جندل) وعلى الميسرة (أبو بصير)؛ وكانت قريش الكافرة تزودها وتميرها بكل قافلة تغدو وتروح!. . . وانقطع طريق الرائح والنادي على مكة من أرتد أن يطل دمه!

وتسامع الناس بما هنالك ففزعوا وراحوا يداولون الرأي. . .

وسعى ساعي قريش إلى محمد في المدينة: يا محمد، نسألك بالرحم إلا ما آويتهم، فلا حاجة لنا بهم بعد!

وابتسم محمد، ثم دعا كاتبه ليكتب إلى أبى بصير يدعوه إلى الأمن والدعة. . .

ومضى الرسول بكتاب محمد يغذ السير إلى ذى المروة ليدفع كتاب محمد إلى أبى بصير إلى الأمن والدعة، بعد جهاد العمر ومشقة الحياة؛ فما بلغ الرسول حتى كان أبو بصير سطيحاً بين أثنين من صحابته وهو ينشد في صوت يختلج:

الحمدُ للهِ العليَّ الأكبرْ ... من ينصر الله فسوفُ ينصراْ!

ودفع الرسول إليه الكتاب، فتناوله ونظر فيه نظرة ثم أغفى، وكانت إغفاءة الأبد!

وسكنت الريح، وخفت الصوت، وتجاوب بين الصخور صدى الصم هاتف:

(اللهم قد بلغت! اللهم إلى أمنك ودعتك!)

محمد سعيد العريان

<<  <  ج:
ص:  >  >>