للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان ثمة رجل آخر يتربص، ذلك (أبو بصير) بن أسيد ابن جارية؛ إن الحديد ليعض على رجليه في محبس بني زهرة بمكة منذ سنوات؛ فمتى يحين له الخلاص بنفسه ودينه؟

وجاءه ما كان من أمر (أبى جندل) وما حكم فيه رسول الله، ولكنه لم يجزع

وآب النبي في صحابته إلى المدينة وإن قلوبهم لتفور بالحقد والحفيظة، فلولا أن رسول الله نهاهم لما انتهوا عما أرادوا؛ وتوزعتهم خواطر وهموم، وثقل عليهم ما يلقى إخوانهم هناك، ولكنهم طائعون لأمر الله ورسوله!

. . . ووجد أبو بصيرة سهوة من حراسه فحطم أغلاله ومضى، وتقاذفته الفلوات وحيداً بلا زاد ولا راحلة، حتى بلغ يثرب، وإنه ليعلم ما هناك. . .

وجد الطلب في أثره، فما أدركه قومه إلا وهو في أمان محمد، وما كان محمد ليغني عنه وذلك العهد بين محمد وقريش قائم، ولكن أبا بصير قد أعد عدته لأمر. . .

وجاء رسولا بني زهرة يذكران محمداً العهد القائم ويطلبان إليه أن يرد أبا بصير إلى قومه؛ وما كان لمحمد أن يغدر بما عاهد عليه القوم. . .

. . . وطأطأ أبو بصير رأسه وعاد مع الرسولين أدراجه وعيون المسلمين تشيعه بالدمع، وإن قلوبهم لتفيض بالألم والحسرة؛ ولكن أبا بصير لم يلبث أن عاد إلى المدينة وحيداً وعلى ظبة سيفه دم يسيل!. . .

وماذا على محمد بعد وقد وفى بما عاهد عليه القوم فرد إليهم رجلهم ثم أختار الرجل لنفسه؟

حر أنتصر فلا جناح عليه!

وافتر ثغر النبي عن ابتسامة وهو يقول: (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال!)

وسمعها أبو بصير فوعاها، ثم ودع صحابته ومضى لأمره وما تزال يده على قائم السيف. . .

وعلى سيف البحر من ذي المرؤة، كمن أبو بصير كمون القدر يتربص لكل رائحة وغادية

(ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال!)

كلمة تجاوبت بها نسائم القفر بيمن مكة ويثرب، فإذا صداها يتردد بين جدران المعاقل والسجون حيث يرسف المستضعفون من المسلمين تحت حكم قريش، فتلقفتها آذان ووعتها قلوب. . . (بلى، إن معه لرجالاً لا يريدون شيئاً إلا كان!)

<<  <  ج:
ص:  >  >>