للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فوقها ظلمات؛ أولئك جماعة من المستضعفين قد تقطعت بهم الوسائل، فلم يهاجروا فيمن هاجر من المسلمين إلى المدينة، وضرب عليهم وأهلهم ومواليهم بسور ليس له باب، يجرعونهم الذل ويسومونهم سوء العذاب ليفتنوهم عن دينهم؛ ولكنهم صبر على الضراء، مؤمنين بأن يوما قريبا يوشك أن ينطلقوا فيه من إسارهم إلى حيث يعبدون الله جهرة، ويتملون وجه محمد وأصحاب محمد. . .

متى الميعاد. . .؟

كذلك راح كل واحد من هؤلاء الأسارى يسأل نفسه؛ فما هو إلا أن جاءهم النبأ بأن محمدا وأصحابه قد بلغوا ثنية المرار من أرض الحديبية، حتى راح كل منهم يأمل أملاً ويتمنى أمنية، ومضى بعد عدته لأمر؛ أليس جيش محمد يوشك أن يدخل مكة فاتحاً منصوراً لا يقف له شيء؛ فما بقاؤهم في الذل والإسار بعد!

وانتهى العسكران إلى شروط الهدنة الموقوتة، وراح محمد يملي على كاتبه:

(هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، يامن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى محمدا من قريش بغير أذن وليه رده عليهم، ومن جاءه قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه. . .!)

ووثب عمر بن الخطاب كالملسوع يقول: علام نعطي الدنية في ديننا؟

قال محمد: أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني. . .!

ومضى الكاتب يكتب. . . ولاح شبح من بعيد يتقارب، تجاذبه أثقال الحديد في رجليه؛ وطلع فتى أشعث أغبر على وجهه قترة وفي عينيه ذبول، فما هو إلا أن لاح له مجلس محمد وأصحابه حتى ترامى عليه وهو يهتف: الحمد لله الذي آمنني بك يا رسول الله من ذل الإسار وعسف الكفرة!

ذلك (أبو جندل) بن سهيل بن عمرو، قد فر من أسر المشركين إلى رسول الله يستعينه على الخلاص. . .

وصمت محمد، وغمغم أصحابه بكلام؛ ونظر إليه أبوه سهيل أبن عمرو وقال وفي لهجته شماتة وسخر: هيهات أن يؤمنك محمد بعد!. . .

وعاد الفتى إلى محبسه وبين جنبيه هم يضيق به!

<<  <  ج:
ص:  >  >>