هو الذي وضعه، وأنه نحله الهند القدماء لترغيب أهل زمانه بمطالعته، ومنهم من قال إنه لم يضعه، وإنما كان باللغة الفارسية ونقله إلى العربية
٥ - وبعد فأرى أن أحداث القارئ عن أشهر كتب ابن المقفع وأكثرها متعة قيمة، وهي كتاب (الدرة اليتيمة) وكتاب (الأدب الصغير) وكتاب (كليلة ودمنة)، وسيقتصر بحثي على تعريف القارئ بهذه الكتب تعريفا إجماليا، ثم على عرض اجمل ما فيها من صور أدبية واجتماعية مع شرح موجز:
٦ - الدرة اليتيمة التي لم يصنف في فنها مثلها تقع في ثمانين صفحة، وتشتمل على فصلين كبيرين، الأول منهما خاص بعلم السياسة ويحتوي على آراء قيمة حكيمة في إدارة الحكومة، وواجبات الحاكم، وعلى وصف دقيق لما يجب أن يكون عليه الأمير من القوة والعدل، والبطش والحلم، والتثبيت والعلم؛ والثاني خاص بعلم الأخلاق، يشتمل على قواعد دقيقة في التربية والاجتماع، وعلم النفس وعلى نظرات صادقة في الناس وشؤونهم
حل ابن المقفع في (درته اليتيمة) مسألة كبيرة تلخص في كيف يتسنى للأمير أن يحفظ ملكه ويثبت سلطانه، نقول: إن هذه المسألة قد لفتت نظر كاتب فلورنسي يدعى (ميكافيللي) في القرن الخامس عشر ١٤٦٩ - ١٥٢٧، فوضع كتاب سماه (الأمير) شرح فيه هذه المسألة شرحا لا يكاد يختلف في أصوله ومعانيه عن شرح ابن المقفع؛ وكانت ضجة عظيمة حول الكتاب في الدوائر العلمية والسياسية الأوربية، وكان أصبح مكيافيللي بفضل كتابه الذي اعتبره الغربيون أول كتاب في العلم السياسي، من أعاظم رجال التاريخ؛ ولما كان المجال لا يسمع الكلام بإسهاب اكتفي بقولي: إن من يطلع على (الدرة اليتيمة) يرى أن ابن المقفع بحث في أصول سياسة الملك بحثا مستفيضا ممتعا، وإلى القارئ صورا من (الدرة اليتيمة):
٧ - قال ابن المقفع:
أحق الناس بالتوقير الملك الحليم العالم بالأمور وفرض الأعمال ومواضع الشدة واللين والغضب والرضاء والمعالجة والأناة الناظر في الأمر يومه وغده وعواقب أعماله
اعلم أن الملك اثنان: ملك حزم وملك هوى، أما ملك الحزم فانه يقوم به الأمر ولا يسلم من الطعن ولن يضر طعن الذليل مع حزم القوي، وأما ملك الهوى فلعب ساعة ودمار دهر لا