للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حرمت عليه بريطانيا دخول فلسطين جزاء اشتراكه في حربها عليها سنة١٩٣١ وعاش الفقيد بعيدا عن بلاده يطارده الاستعمار الظالم من قطر إلى آخر وتلاحقه جنود الظلم وأعوان المستعمر، وتضع في طريقه العراقيل وتحوك المؤامرات مما جعله يقضي فترة من حياته في غياهب السجون فتعود إليه العلل والآلام التي أصابته في جسمه خلال جهاده المجيد ضد بريطانيا. ولقد تنقل البطل في عواصم العروبة كلها من دمشق إلى بغداد ومن الرياض إلى القاهرة وكان في كل حاضرة من هذه الحواضر يترك أطيب الأثر، وأجمل الذكر ولقد أنجب أبناءه الثلاثة موسى وفيصل وغازي في أقطار مختلفة في سبيل ذلك شداد المحن وعظائم الزمن، فلم تلن له قناة، ولم يهن له عزم

ولقد كان عبد القادر يرى أن الدفاع عن الوطن واجب مقدس لا يجوز أن يأخذ عليه العامل أجراً، ولذلك ما كان يستبيح لنفسه أن يتقاضى مرتباً إلا إذا أناخ عليه الفقر، وقسا عليه الدهر. وقد ضرب في ذلك أروع الأمثلة في العفة والنزاهة، واحتقار المادة ونعى على الذين يتخوف الوطنية ستاراً لجمع الأموال طريقهم الملتوي وسبيلهم المعوج

ورغم أن عبد القادر كان قائدا مظفرا لم يعرف عنه أنه هزم في معركة فقد كانت تشرق في نفسه جوانب الإنسانية فهو من أشد الناس تأثرا بمظاهر البؤس والحرمان، واكثر الناس عطفا ومواساة البائسين والمعوزين. ولست أذيع سرا إذا قلت إن عبد القادر طالما جفف دموعا ومحا آلاما، وأعاد البهجة والرواء إلى وجوه عابسة ونفوس حزينة

ولم يكن البطل لأسرته فحسب أو لفلسطين وحدها؛ بل كان سيفا للعروبة وفارسا للإسلام. سألته يوما قبيل توليته قيادة منطقة القدس عقب قرار التقسيم المشئوم: ماذا تريد أن تفعل بعد تحرير فلسطين من الاستعمار البريطاني والصهيونية؟ فأجاب على الفور: أترك فلسطين وأسافر إلى شمال أفريقيا لأحارب الاستعمار الفرنسي كما حاربت الاستعمار البريطاني وأرجو أن يحقق الّله أمنيتي وهي أن أفوز بنعمة الشهادة.

وبعد فقد مضى عبد القادر ومضى قبله وبعده شهداء أبرار، وإن أرواحهم لتطل على العالم العربي اليوم وتدعوه في حرارة أن يحترم هذه الدماء الزكية وتنشده بيت أمير الشعراء:

وللحرية الحمراء باب ... بكل يد مضرمة يدق

يا أبا موسى! طيب الله ثراك، وأحسن مثواك فلقد أديت الرسالة وذات لأمتك ووطنك أغلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>