إلا لأن شعره يعجبه هو وإن لم يرق أحداً من الناس، فان سألته وهل حاولت ما حاول شوقي؟ سألك وماذا حاول شوقي؟ شوقي المقلد. . . شوقي الرجعي. . . شوقي الصدى. . . شوقي الذي لم تكن فيه روح الشعر وإن جاء بهرج النظم. إلى آخر تلك المهاترات الأدبية التي لم نتورع من إهدائها إلى شاعرنا العظيم حتى بعد أن ترك لنا الدنيا لنملأها نحن بالكمال الذي طالبناه به. . .
ولست أدري ماذا يصرف شعراؤنا - أصلح الله بالهم - عن النظم للمسرح، ومنهم طائفة مثقفة واسعة الاطلاع عظيمة الدراية بالأدب الأوربي، اطلعت من غير شك على درامات شكسبير وبن جونسون ومارلو وغيرهم من الشعراء المسرحيين، وعرفت ما أفادته اللغة الإنجليزية من الدرامات المنظومة، وما فتح الله على أيديهم للشعر الإنجليزي وغير الشعر الإنجليزي من هذا الفتح العظيم الذي كانت آيته ذلك الشعر الحر الذي لا يعرف القافية ولا يتقيد بها، بل ينطلق من الروح أنغاماً سحرية مشرقة ذات بهاء وذات لآلاء، دون أن تذهب بهجتها في هذا الاطراد الطويل الممل الذي تجلبه القافية العربية
وقد يعترض معترض بأننا ندعو إلى شيء فرغ غيرنا منه، حينما ندعو شعراءنا إلى نظم الدرامات للمسرح المصري. . . إذ ما حاجة هذا المسرح إلى الدرامات المنظومة في عصر سار فيه الأدب الواقعي، وتحرر فيه التأليف المسرحي من القيود المادية التي كانت تجعل أداءه بطيئاً وحواره مملولاً فيه كلفة وفيه تصنع. وهو اعتراض مردود. . . ويرده أن الأدب المسرحي الذي ندعو إلى إدخاله في الأدب العربي يجب أن يدخل إلى هذا الأدب بكل أنواعه التي عرفها الأدب الأوربي، ثم نحن ندعو إلى وجوب نهضة الشعر العربي وتوسيع آفاقه. . . ولن تتسع هذه الآفاق ما دام الشعر العربي بعيداً عن المسرح، إذ الدرامة المسرحية هي المجال الذي يتسع لأخيلة الفحول من الشعراء فيفيضون فيها من آرائهم في الحياة وآرائهم في الفن وآرائهم في الجمال وآرائهم في السلوك، ويبدعون ما شاءت لهم تلك الأخيلة من الصور التي يعالجون بها جراح الإنسانية ويهذبون بها انحرافاتها. . . كل ذلك في الدرامة. . . هذه القطعة الحية المتحركة فوق المسرح بأشخاصها الكثيرين، ذوي المشارب المختلفة والميول المتباينة، وبمناظرها الرائعة التي يكسبها الشعر جوها الساحر الجميل الخلاب. . . نريد إذن أن يجد شعراؤنا وأن يوسعوا آفاقهم، وأن يجعلوا للدرامة