المنظومة شطراً من جهودهم التي ينفقونها كلها في الهنات الهينات من قصائدهم وموشحاتهم التي شبعنا منها إلى حد التخمة. . . ومعاذ الله أن يظن أحد أننا نعرض بأحد من شعرائنا أو من شعراء العالم العربي. . . فنحن إنما يتهم هؤلاء وهؤلاء بأنهم كسالى. . . وأننا حينما كنا ننقد شوقي ونهاجمه إنما كنا نتجنى على سيد شعرائنا غير مدافع، وكنا نغمط حقه ونظلمه. . . وإلا فأين من شعرائنا من استطاع أن يسمو إلى أفق شوقي أو أن يملأ هذا الفراغ الهائل الذي تركه وراءه؟
لابد إذن أن ينفض شعراؤنا غبار هذا الكسل، ولابد أن يحاولوا مثل الذي حاوله شوقي من قبل، والذي حاوله، ونرجو أن يستمر فيه، الشاعر الشاب الأستاذ محمود غنيم اليوم. فإن لم يفعلوا فلسوف يظل الشعر العربي جامداً في دائرته القديمة وهم بحمد الله لن يأتوا في حدود تلك الدائرة بعشر معشار ما أتاه الأولون من جاهليين ومخضرمين وإسلاميين وأمويين وعباسيين وأندلسيين. ونحن إن كان لنا أمل في أحد من شعرائنا المصريين أو الشعراء العرب عامة، فالشعراء الشباب هم مناط ذاك الأمل. وكم كنت أود أن أوثر الفريق الذي يجيد اللغات الأجنبية منهم على الفريق الآخر الذي لا يجيدها، لو لم يبرز الأستاذ غنيم في الفريق الثاني، فذهب بالفضل، واستحق الثناء، وجعلنا نتشوق إلى محاولاته التالية. . . أما شعراؤنا الذين يجيدون إحدى اللغات الأجنبية ويقعد بهم الكسل دون محاولة النظم المسرحي، ففي مقدمتهم الشاعر الرقيق النابغة الأستاذ علي محمود طه؛ ثم الأستاذ الشاعر المطبوع محمود الخفيف، ثم الأستاذان أحمد فتحي ومختار الوكيل. ثم الشعراء الجامعيون وشعراء المهاجر. . . إن هؤلاء هم المسئولون قبل غيرهم عن نهضة الشعر العربي وفتح الميدان المسرحي له على مصراعيه، لأنهم أعرف من غيرهم بماهية المسرح وما يستطيع أن يؤديه للغة والشعر من أمجاد، وذاك أنهم تأثروا بروح الغرب وأساليبه، تلك الروح العالية نلمسها في أشعارهم فنلمس فيها أثر بروننج وشلي وكيتس وبيرون ووردذورث ودي موسيه وليل وج. ب. روسو وليبران. . . فمتى يا ترى نلمس فيهم اثر بن جونسون وشكسبير وراسين وكورني؟ إنهم يعرفون من تاريخ الآداب الأوربية كيف ثار الشعراء الإنجليز على القوافي الشعرية وكيف أفاءت عليهم عرائس القرائح بنعمة الشعر الحر التي اهتدى إليها مارلو الإنجليزي، فأتى فيها بالأعاجيب، وفتح باب جنتها الفيحاء لشكسبير