العظيم الذي ذلل قطوفها تذليلاً. . . فمتى يثورون في الشعر العربي مثل تلك الثورة التي لا يحسن أن يقوم بها غيرهم، لما تستلزمه من ذوق خاص أولاً، ووقوف على تاريخ الآداب الأوربية ثانياً، حتى يخطوا خطواتهم عن بصيرة وحسن دراية، مهتدين في ذلك بما تم من مثله في الآداب الأخرى التي يثقفونها
أما شباب شعرائنا الذين لا يجيدون إحدى اللغات الأوربية بل لا يعرفونها، فقد جنوا على أنفسهم وعلى ثقافتهم بإهمالهم تعلو إحدى تلك اللغات مع ما كانت تبذله لهم دار العلوم من العون والتشجيع. ولعل دار العلوم هي التي جنت عليهم في ذلك، لأنها جعلت تعلم اللغة الأجنبية اختيارياً ولم تفرضه على أبنائها فرضاً، ولو أنها قسرتهم على تقلمها لحمل أبناؤها اليوم عبء الثورة على تقاليد الشعر العربي العتيق، ولأتوا في ميدان النظم المسرحي بالأعاجيب. على أنني لا أدري ماذا يمنع شعراء دار العلوم من الإكباب على لغة أجنبية يدرسونها ويتثقفون آدابها. ولست أدري أيضاً ماذا يمنع هؤلاء الشعراء، في مقدمتهم الأساتذة محمود حسن إسماعيل ومحمد عبد الغني حسن واحمد مخيمر ومن إليهم من أن يحتذوا حذو الأستاذ غنيم في النظم المسرحي؟ وللأستاذ محمد عبد الغني حسن إلمام لا بأس به بالإنجليزية، فما له لا يساهم في النظم الدرامي بنصيب؟
إننا حين نحاول سلك الأدب المسرحي في الأدب العربي، لا بد لنا ن خلق حركة أدبية إبداعية لا يحسن أن ينهض بها غير شعرائنا الشباب. والأدب الإبداعي (الرومانتيكي) هو أدب الخيال والجمال والسحر والشعر والخلق والابتكار. . . هو الأدب الذي يلون الحياة ويمد في طرفيها ويزيدها علواً وسفلاً، ويجعلها أعمق وأوسع آفاقاً. . . إنه الأدب تتضافر فيه جهود الفنانين من شعراء وموسيقيين ومصورين ورسامين وصانعي ملابس. . . أنه أدب الألوان والعواطف والبرق والرعد والدموع والعواطف والأشجان. . . إنه الأدب الذي لا يجيده غير الشعراء الموهوبين الذين يستطيعون أن يخلقوا لنا دنيا أجمل من الدنيا التي نعيش فيها. . . دنيا ذات ألوان صارخة تتسع لأحلامنا التي نعجز عن تحقيقها في عالم الواقع. . . دنيا الشعر والموسيقا والغناء. . . دنيا نتفيأ فيها ظلال الرحمة والمحبة والحنان كلما بهظتنا دنيا الشقية بالآلام والنكبات. . . دنيا نتنفس فيها صعداءنا هانئين سعداء، لا نخاف رهقاً ولا نخشى عنتاً ولا نفزع من شجو ولا نضيق فيها بأنفسنا كما نضيق بها في