للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دنيا الواقع

إن القصائد والموشحات وحدها لا تستطيع أن تصنع لنا من ذلك كله إلا لحظة عابرة ثم نتردى من جديد في هوة آلامنا. . . أما الدراما المنظومة الإبداعية فكفيلة بأن تخملنا إلى السموات ساعات وساعات، وكفيلة بأن تخفف من أعباء قلوبنا، وما تنوء أرواحنا به من ضيق. . . ما هذا؟ أكلما أراد القارئ العربي المسكين أن يتسلى بشيء من الدرامة الإبداعية اضطر اضطراراً إلى اصطحاب شيكسبير ورهطه إن كان يحسن الإنجليزية، أو راسين وكورني إن كان يجيد الفرنسية، أو سرفنتس ولوب دي فيجا إن كان ملماً بالإسبانيه، أو شيلر ولسنج إن كان يعرف الألمانية، أو يقعد حزيناً محسوراً إن كان لا يعرف لغة أجنبية؟. . .

ألا إن هذا لهو أشنع الخزي في أدبنا العربي، وفي شعرنا العربي بوجه خاص. . . إننا لن نغتفر مطلقاً لأدبائنا الكتاب تقصيرهم في إمداد المسرح المصري بدرامات مصرية، وأننا لن نغتفر مطلقاً لشعرائنا الكهول تقصيرهم في إمداد هذا المسرح بدرامات منظومة تغني الأدب المسرحي وتمد الأدب العربي بثروة طائلة لا تعد لها تلك الثروة التي تشبه الفقر من القصائد والمطوعات والموشحات. . . إننا نتساءل فيم أنفق شعراؤنا الكهول أعمارهم؟ لقد أنفقوها في نظم القصائد والمقطوعات، والقصائد والمقطوعات فحسب. . . فلن تجد في دواوينهم التي تعد بالعشرات ملحمة تشجيك ولا قصة تصيبك ولا درامة تسليك، ولا تمثيلية، ولو فصل واحد، يوسع بها أحد هؤلاء الشعراء حدود الشعر العربي في عصرنا الذي اتسعت فيه حدود كل شيء. . . الحق أن حالة دواوين الشعر العربي محزنة جداً، وهي محزنة بنوع خاص في دواوين شعرائنا المعاصرين الذين عرفوا أوربا وعرفوا الثقافة الأوربية والأدب الأوربي. . . وإن مقارنة سريعة بين ديوان شاعر أوربي مثل بيرون أو روبرت بروننج وبين أي ديوان من دواوين شعرائنا، (فحلاً أو نصف فحل أو إمعة!) لتظهرك على هذا الفقر الشنيع في إنتاجنا الأدبي، وهو فقر يحسن الإنسان منه الخزي الشديد، فينصرف عن الشعر العربي والشعراء العرب وفي نفسه ما فيها من الحسرة والألم. . . فماذا في جميع دواويننا مما في ديوان بيرون مثلاً؟ إنك تقرأ في بيرون تلك الملاحم الطوال والمنظومات القصصية الرائعة، والتمثيليات الإبداعية الشائقة. . . إنك

<<  <  ج:
ص:  >  >>