الأدب العربي القديم ثقافة حسنة، وضرب بالسهم الوافر في علوم العربية نحوها وصرفها، وبلاغتها وعروضها، ونقدها وروايتها، وحفظ أيام العرب وأمثالهم واستطاع أن يفهمها حق فهمها، وينقدها نقد بصير بها، ولكنه عجز عن أن يدرسها ويدرس رجالها دراسة تحليلية صحيحة لجهله الآداب الأجنبية، وجهله قواعد النقد الحديث.
ورجل درس الآداب الأجنبية أو واحداً منها دراسة عميقة، وعرف مناهج البحث، ومذاهب النقاد، وأحسن نقلها إلى الأدب العربي، ولكنه عجز عن فهم الشعر العربي، وجهل علوم العربية، فغدا لا يستطيع إدراك معنى النص العربي فضلا عن نقده أو الحكم عليه.
ثم إن أكثر المدرسين من غير رجال الأدب؛ وإن فيهم من لم يعرفه الناس شاعراً مطبوعاً، ولا كاتباً مجيداً، ولا ناقداً بصيراً، ولا أكثر من ذلك ولا أقلّ. فكيف لعمري نطلب منه غرس الملكة الأدبية في نفوس الطلاب؟ إن مثل هذا الطلب هدم للمنطق الذي يقرر أن فاقد الشيء لا يعطيه.
هذه قيمة الحياة الأدبية في الشام؛ وهذا موطن الضعف فيها؛ فلا صلاح لها إلا بتقويته، ولا نجاح لأمة لا تسخّر أدبها لخدمة قضيتها. فهل يبدأ في حياتنا الأدبية (عهد الإصلاح) المنتظر؟