للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واقعاً في حيز العالم تجرى عليه سنة هذا الوجود من حركة وسكون. أدى هذا الخلاف إلى رأيين: الأول اتحاد العلم والدين، والثاني انفصالهما

أما الرأي الأول فانه يقرر - على رغم ظواهر الأشياء وما في الكتب المقدسة من اختلاف - أن هناك صلة بين العلم والدين يسهل تحديدها إذا اتفق العلم والدين على معاني الكلمات؛ ففي المثال السابق مثلاً جاء في التوراة أن معنى كلمة يوم: مدة مقدارها عصر لا أربعاً وعشرين ساعة كما نعتقد نحن اليوم؛ على هذا الاعتبار تكون الأرض قد تم تكوينها في ستة عصور - وهذا هو رأي علماء الجيولوجيا.

ويقول الرأي الثاني إن للعلم والدين أسباباً ودواعي خاصة بكل منهما، وقد يتفاوت محيط أحدهما بالنسبة لمحيط الآخر دون أن يتعارضا في شيء. فمقتضى الدين اعتقاد وأمر ثم عمل؛ وأما مقتضى العلم فكشف قوانين هذا الوجود - بما في ذلك الإنسان - وتحقيقها بالطرق التجريبية. وليس من العلم في شيء أن تحمل الجماعة على اتباع هذا النظام أو التخلي عن هذا العرف.

يستوي عنده البار والفاجر؛ وبعكس ذلك الدين، فانه حب وعاطفة ومفاضلة بين البار والفاجر؛ فهو لذلك ضرورة للنظام الاجتماعي، وهذا رأي برجسون في كتابه المشار إليه آنفاً.

أفي ذلك طمأنينة للنفوس؟ قد يكون ذلك. . ولكن ظاهر الشيء غير حقيقته؛ إذ النفس لا تعرف السكون الذي يُزيَّن لها التخير بين طريق وطريق؛ فهي إن خضعت للدين بالأمس فذلك من طبيعتها، وإذا خضعت للعلم اليوم فذلك أيضاً من طبيعتها. وقد لا تخضع غداً لا لهذا ولا لذاك، وعليه فإن هذا التقسيم لم يحقق مأرباً.

٢ - الفلسفة:

أما في الفلسفة فالنزاع قائم بين أنصار مذهب الفكر وبين أنصار مذهب العمل يقرر الفكريون أن الذكاء هو خير وسيلة لفهم الحقيقة الواقعة، وفي رأي العمليين أنه وسيلة لتكوين صور لأعمالنا نستعين بها على فهم الأشياء.

فعند الفكريين (أي معظم فلاسفة الغرب والفرنسيين منهم خصوصاً يتقدمهم ديكارت) تتعين الحقيقة بنفسها؛ وليس في مستطاع الفرد - مهما كانت قدرته - أن يحددها دفعة واحدة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>