ما شجاه حينا وأضناه، حتى صح له أن يقول:
أمعنية بالعذل، رفقا بقلبه ... أيحمل ذا قلب، ولو أنه صخر؟
عذيري من اللائى يلمن على الهوى ... أما في الهوى لو ذقن طعم الهوى عذر
ومنكرة ما عاينت من شحوبه ... ولا عجب ما عاينته، ولا نكر
وقائلة: ماذا دهاك تعجبا؟ ... فقلت لها: يا هذه، أنت والدهر
أبالبين، أم بالهجر، أم بكليهما ... تشارك فيما ساءني البين، والهجر
كان صدق إحساس أبي فراس بالحب ينبوعا لتعبيرات صادقة عن عواطف صادقة، فهو يخشى على حبيبه أن تمسه العيون بأذاها فيستحلفه أن يرد عليه لثامه:
أيا سافرا، ورداء الخجل ... مقيم بوجنته، لم يزل
بعيشك، رد عليك اللثام ... أخاف عليك جراح المقل
فما حق حسنك أن يجتلى ... ولا حق وجهك أن يبتذل
ويتقبل ظلم حبيبه، بنفس راضية، بل متلذذة بهذا الظلم:
وبعض الظالمين وأن تناهى ... شهي الظلم مغفور الذنوب
ويقر أنه مذنب، وإن لم يجن ذنبا، ويتوب عن إثم لم يقترفه
أقر له بالذنب، والذنب ذنبه ... ويزعم أني ظالم فأتوب
ويقصدني بالهجر علما بأنه ... إلى، على ما كان منه، حبيب
ويجد في الهجر القصير الأجل لذة تجدد الحب:
إنما يحسن التهاجر يوما ... فإذا كان دائما فقبيح
كل هجر يدوم يوما إلىالليل، ويفنى، فذاك هجر مليح
ويتخيل حبيبه وقد غاب عنه، فيصوره في شعره، ويتساءل: أينساه وقد غاب عنه:
وبالدارين إنسان ... له في القلب داران
إذا ما ماس في القر ... طق، يسعى بين أخدان
رأيت البدر فدبا ... ن، على غصن من ألبان
وخدا يجتنى الور ... د، به، في كل إبان
ألا يا صاحبي رحلي، بالله أجيباني