للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلمامه الوافي بكل ما يخص النشاط العلمي والثقافي في بلاد الأندلس في الوقت الذي التقى فيه الشرق الإسلامي والغرب المسيحي التقاء أدى إلى ازدهار رائع في الآداب والفنون والعلوم.

هذا وقد أشار بلاثيوس في مؤلفه إلى ما بين الكوميديا الإلهية والعقيدة الإسلامية الخاصة بالبعث والقيامة وخلود النفس من تشابه وتقارب، كما أشار إلى ما في الكوميديا الإلهية من صلة بالحديث المعروف عن قصة (المعراج).

أشار بلاثيوس إلى هذا كله إشارة وافية. ومن فرط افتتانه بالموضوع الذي استهواه وتملكه نسب إلهام دانتي في وضع منظومته الخالدة إلى المفكر الصوفي ابن عربي الأندلسي الذي عاش في القرن الثالث عشر. وسرعان ما استفاض الحديث عن هذا البحث واتجهت إليه أنظار المهتمين بالموضوع الذين انقسموا كما هي العادة في مثل هذه الظروف إلى فريقين: فريق أيد نظرية بلاثيوس وفريق عراضها، وظل الفريق المعارض غير مقتنع باستنساخ الباحث الأسباني القدير على دقتها ولا موافق على آرائه بالرغم من دلالتها على علمه المتين وثقافته الرصينة. والواقع أن بحث بلاثيوس كان بضعفه عدم الإشارة إلى السبل التي وصل منها الأفكار الإسلامية إلى دانتي، وذلك لانقطاع الصلة المباشرة بينه وبينها، وكان الأولى أن يشير بلاثيوس إلى تلك النصوص الإسلامية الأصيلة أو المترجمة التي لابد أن يكون دانتي قد اطلع عليها قبل وضع منظومته إذا صح أنه استلهمها من العالم العربي الإسلامي كما أكد بلاثيوس. وبعد معركة حامية بين الفريقين المؤيدين والمعارضين لكثرة ما أثاره هذا البحث من اختلاف الآراء وافتراق الأهواء؛ خيم السكون على هذا الموضوع مدة من الزمن دون أن يصل الفريقان إلى تسوية ما بينهما من اختلاف، ودون أن يقتنع فريق برأي الفريق الآخر.

ظلت الأمور على هذه الحال حتى نشر المستشرق الإيطالي مونيري دي فيبار في عام ١٩٤٤ مؤلفا هاما عن دراسة الإسلام في أوربا أثناء القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ولفت واضعه أنظار الباحثين إلى مخطوطين: أولهما مكتوب باللغة الفرنسية ومودع بمكتبة أكسفورد؛ والآخر مكتوب باللغة اللاتينية تملكه المكتبة الأهلية بباريس، وكلاهما يشتمل على ترجمتين غريبتين لقصة المعراج كما رواها أهل الحديث، وافترض المستشرق

<<  <  ج:
ص:  >  >>