للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرط المرافقة الموافقة، وأغروني بهجوه فقلت لهم على العين، هذين البيتين، ومسحة الارتجال بادية عليهما:

إذا لم تزر فالوغة ورياضها ... ولم تشهد الجنات حولك ألفافا

وإن أنت لم تصعد إلى عين صحةٍ ... ولم تروَ منها لم تكُ الدهر مصطافا

وعلى يسار المقهى خيام أربعة من الطيارين الفرنسيين مع أزواجهم وأطفالهم، وبذلة أحدهم تتألف من سريويل قصير أزرق وقميص شفاف أبيض، والنحور والصدور والظهور حواسر، والأفخاذ والسوق والأقدام ظواهر؛ وهؤلاء الرفاق يأتون من مطار رياق للاستشفاء بالماء والهواء، فيقضون في الأسبوع يوما كاملا في مثل خيام الكشافة ويعيشون فيها عيشة الكشافة ومعهم جميع أدوات المطبخ فلا يحتاجون في طهي الأطعمة إلى شيء غير ماء العين. ولعل الارتياض على الحياة الكشفية في الصغر قد ذلل لهم في الكبر صعابها وألان لهم رقابها وجعلهم يبتغون لها الوسائل والأسباب

وفي نحو الثامنة من الصباح وقفت على العين سيارة ترفع علماً فرنسياً صغيراً يدل على أن ركابها من المفوضية الفرنسية ببيروت وفتح الباب فنزل منها أبوان شيخان وأطفال ثلاثة يحمل كل منهم عصاً ذات زج كالمزراق، وعلى ظهره حقيبة الجند، وعلى رأسه قبعة كبيرة تحاكي مظلات اليمن والجزائر، وفي رجله حذاء صفيق الجلد ناتئ المسامير يذكرنا بمداس الأصمعي الذي قال فيه: (نعم قناع القدري هذا)

وألتفت إلي رب المقهى قائلاً: هذان الجدان هما المسيو بريال وزوجه، وهؤلاء الثلاثة الأولاد أحفاده؛ يأتي بهم في الأسبوع مرة ليصعد إلى قمة الجبل، ويترك على العين سيارته وهو يرتاض بذلك وزوجه العجوز التي جاوزت الستين، ويروض أحفاده على حياة الجنود، والغربيون يعودون أطفالهم صغاراً ما يضطرون إليه كباراً، مجارين في ذلك غرائز الطبيعة؛ لأنا نشاهد الأولاد يركبون العصي استعداداً لركوب الجياد، ونرى البنات يكثرن الوقوف أمام المرأة تعوداً لما يعملنه وهن أمهات

إن حياتنا الشرقية ركود وكسل، والحياة الغربية حياة نشاط وعمل؛ فالجماعة منا إذا خرجوا إلى ظاهر المدينة للتنزه جلسوا على ضفة بردى أو النيل أو الفرات، وأخذ بعضهم يغلي شراب الجاء، وشرع الآخرون في الحديث أو الغناء، وإلى جانبهم مضطجعون، أو على

<<  <  ج:
ص:  >  >>