للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأرائك متكئون؛ وإذا خرجت رفقة من الأوربيين إلى التنزه وأخذوا في الارتياض بأنواع الرياضيات والألعاب، فهذا يلاكم وذا يصارع، وهذا عداء وذلك وثاب، وهذان فريقان يجران الحبل، أو يتقاذفان الكرة بالراحة أو القدم؛ فالتنزه في عرفنا للطعام والشراب أو الاضطجاع أو السماع؛ وفي عرف الغربي للعدو والوثب والصراع، والحركة يراها بركة، والتواني والسكون هلكة

ثم التقينا على العين بإخوان لنا من رجال العراق، فتجاذبنا أطراف الأحاديث إلى أن تحدثنا عن الانقلاب العراقي الأخير فحمدنا الله على حدوثه، ولم يستشر فساد أو تعم فتنة، وعلى إرساله لإنقاذ الموقف الخطير ذلك الرجل الإداري الحكيم، والجندي العربي الصميم (السيد جميل المدفعي) الذي قضى حياته في الدفاع عن حوزة العروبة، والذي أجمعت الكلمة لسلامة دواعي صدره على الثناء عليه وعلى محبته، والاعتصام في هذا المأزق الضيق بعروته، ثم ودعنا إخواننا بعد أن تزودنا من شرب الماء عبا، ونزلنا راجعين إلى حمانا ونحن نمتع العيون بسواحر المناظر من وادي حمانا الذي غنى باسمه من قبلنا لامرتين، وكان منظر الصنوبر الأخضر على الجبال أروع هاتيك المناظر وأبدعها وأشدها للعين بهراً وللقلب سحراً، فقد جعل كل من أصحابي يترنم ببعض الأغنيات، وجعلني أرتجل الشعر مغنياً بهذه الأبيات:

أَوَادي حّمانا سقيت وأُخصبت ... رُباك مغاني الحسن والحسناتِ

شهدتُ لقد شَاهدت فيكَ صنوبراً ... يبدّد ما في القلبِ من حسراتِ

وخلت الغواني في الجبال حواملاً ... مِظلاّتهن الخضر والنضراتِ

وسربَ نعامٍ أبصر السيل هادراً ... فأسندَ مرتاعاً إلى الهضباتِ

هل المسكُ من هاماتك الخضر فائحٌ ... أم المسك من غاداتك العطِرَاتِ

لَطبتَ أيا وادي الصنوبر وادياً ... وبارككنّ الله من شجراتِ!

(دمشق)

عز الدين التنوخي

<<  <  ج:
ص:  >  >>