حتى إذا نهد الثديان وامتلأا ... منها وخيفت على الإسراف والقرف
صينت ثلاث سنين ما ترى أحداً ... كما يصون تجارٌ درة الصدف
فبينما الشيخ يهدي نحو مجلسه ... مبادراً لصلاة الصبح بالسدف
حانت له لمحة منها منها فابصرها ... مطلة بين سجفيها من الغرَف
فخر والله ما يدري غداتئذ ... أخر منكشفاً أم غير منكشف
وجاءه الناس أفواجاً بمائهمُ ... ليغسلوا الرجل المغشى بالنُّطف
ووسوسوا بقُران في مسامعه ... مخافة الجن والإنسان لم يخف
شيئاً ولكنه من حب جارية ... أمسى وأصبح موقوفاً على التلف
قالوا: لك الويل ما أبصرت؟ قلت لهم ... تطلعتْ من أعالي القصر ذي الشِرَف
فقلتُ - أيكمُ والله يأجرُه - ... يعين قوته فيها على ضَعف
فقام شيخ بهيٌّ من رجالهمُ ... قد طالما خدع الأقوام بالحِلف
فابتاعها لي بألفي درهم فأني ... بها إليَّ فألقاها على كتفي
فبتُّ ألثمها طوراً وألزمها ... طوراً واصنع بعض الشيء في اللحف
فبين ذاك كذا إذا جاء صاحبها ... يبغي الدراهم بالميزان ذي الكفف
وذكرَ حق على زند وصاحبه ... والحق في طرف والطين في طرف
وبين ذاك شهود لا يضرُّهمُ ... أكنت معترفاً أم غير معترف
فإن يكن منك شيء فهو حقهمُ ... أوْ لا فإني مدفوع إلى التلف
فضحك العباس وقال: ويحك أصادق أنت؟ قال نعم والله. قال: يا غلام أدفع إليه ألفي درهم ثمنها. فأخذها ثم دخل على المهدي فأخبره ثم دخل على المهدي فأخبره القصة وما احتال له به. فأمر له المهدي بستة آلاف درهم وقال له المهدي كيف لا يضرهم ذلك؟ قال: لأني مُعدم لا شيء عندي. وفي رواية: إن العباس بن محمد قال له: شاركني في هذه الجارية يا أبا دلامة. قال: أفعلُ ولكن على شريطة. قال: وما هي؟ قال: الشركة لا تكون إلا مفاوضة فاشتر معها أخرى، ليبعث كلُّ منا إلى صاحبه ما عنده، ويأخذ الأخرى مكانها ليلةً وليلة. فقال له العباس: قبحك الله وقبح ما جئت به! خذ الدراهم لا بارك الله لك فيها وانصرف.
وإنما أوردنا هذه القصة بتمامها لكيلا نمسخها إذا اختصرناها فتفقدها كثيراً من جمالها: