للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأسف والندم فيه حتى يصبح كأخيه ليس بينه وبين الاستقامة إلا أن يجاهد العادة حتى يصبح سلطانها معه بعد أن كان عليه

والصنف الأخير من المسلمين قد أخذ يكثر كثرة تضيق منها الصدور وترتاع لها القلوب، ولم يكن الحال كذلك منذ ثلاثين عاماً أو أقل. كان هذا الصنف موجوداً لكنه كان قليل العدد قليل الجرأة خافت الصوت؛ وكان ما يسمى بالرأي العام ضدهم إذ ذاك في الجملة؛ كان يدعهم وشأنهم ماداموا منزوين، لكنهم كانوا إذا حاولوا الظهور ولو باسم الإصلاح والتجديد لقوا منه عنتاً غير قليل

والرأي العام ليس وليد نفسه، ولكنه وليد بيئته. ولقد كانت البيئة في ذلك الحين لا تزال دينية الروح إسلامية النزعة إلى حد كبير؛ لكنها الآن قد تغير روحها وانعكست الآية فيها في المدن، ويوشك هذا التغير أن يتخطى المدن إلى القرى على أمواج الراديو وأفلام السينما وصفحات الصحف ولو بالتدريج. فهذه الثلاثة هي أهم مكونات البيئة اليوم، وقليل منها الآن ما لا يمكن أن يوصف بأن فيه من الإسلامية كثيراً أو قليلا

فالسينما أكثر أفلامها مصنوع في الغرب وأقلها مصنوع في الشرق. ومع أن هذا الأقل مصنوع في مصر التي تطمع أن تتزعم الأقطار الإسلامية إلى الخير والعزة والمجد، فإنه وذلك الأكثر المصنوع في الغرب سواء في مجافاته للدين ومنافاته لما يليق، بل قد يبذ الشرقي الغربي في ذلك كعادته في الإفراط والتفريط. لا يكاد الوالد الحريص يجد بين جميع ما يعرض في مصر من الأفلام ما يمكن أن يروح عن أولاده بأخذهم إليه من غير أن يعرضهم بذلك إلى تلويث الذهن وتدنيس الخاطر. بل لقد أصبحت السينما وخصوصاً ما تخرجه مصر من أفلامها خطراً حقيقياً على الأخلاق في هذا القطر وما يتأسى به من الأقطار. فلقد كانت هناك مسارح للتهتك والخلاعة منزوية في أماكنها التي كنا نحذرها ونحن صغار، فأصبحنا وليس يغني التحذير من مفاسدها شيئاً بعد أن أعطتها صناعة السينما قوة التكاثر كما تتكاثر الجراثيم فصارت تنتشر بأفلامها في المدن والقرى، تنشر عدوى الفساد الخلقي كما تنتقل الجراثيم فتنشر عدوى الأمراض

وما يقال في تأثير السينما يمكن أن يقال في مثله تأثير الراديو مع اختلاف في المقدار. فهو كالسينما من العوامل الفعالة الطارئة على البيئة الإسلامية، وهو جدير أن يغير منها إما إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>