الخير وإما إلى الشر، ولكنه الآن إلى الشر أقرب. فإنك إذا استثنيت ما يذاع من القرآن الكريم والقليل من محاضرات الإرشاد، تجد الغالب على إذاعاته المجون والخنوثة والاستهتار. خذ بيدك أي برنامج عادي للإذاعة في أي يوم واحسب ما للهزل فيه وما للجد، تجد ما للهزل أضعاف ما للجد، وتجد أكثر هزله هزلاً غير بريء، بل بعض جده جداً غير بريء كذلك
على أن المصيبة بالراديو أعظم من المصيبة بالسينما من بعض الوجوه، فإنك تستطيع أن تتقي شر السينما خاصة نفسك بالقعود عن الذهاب بأولادك إليها، وإن كان في ذلك شيء من العنت. لكن ماذا تصنع وهذا الذي تتهرب منه بحرمان نفسك من تسلية السينما يدخل عليك وسط دارك من الراديو وأنت بين أهلك وذويك؟ إن مجون الريحاني وأضرابه وخلاعة مصابني وأضرابها تلاحق المسلم بالراديو في عقر داره. وإذا أمكن التحرز من ذلك إلى حين بإغلاق الراديو فلابد أن يأتي يوم يمل الإنسان فيه الرقابة، ويترك الراديو كالورد الخبيث مل الراعي ذود القطيع عنه. على أن المسألة ليست مسألة فرد أو أفراد يعرفون الخطر ويستطيعون توقيه بشيء من كبت الرغبة وضبط النفس، ولكن المسألة مسألة الجماهير التي لا تستطيع تمييزاً ولا امتناعا. فإذا لم يكن ما يذيع الراديو سليماً طيباً كان الراديو شراً ووبالاً على الناس ينقلهم خلسة عما ألفوا من الخير إلى ما لا يريدون أن يألفوا من الشر ومذاهبه، وينبه فيهم من نزعات السوء ما لم يكن لولا الراديو ليتنبه فيهم. والراديو الآن يخلط الصالح بالسيئ إلا أن سيئه أكثر من صالحه، وهو على أي حال كان إلى الآن عاملاً على تغيير البيئة في الأقطار الإسلامية تغييراً يبعد بها عن الإسلام
وغير الراديو والسينما من مكونات البيئة الحديثة ينحو منحاهما وإن لم يبلغ مبلغهما من القوة والذيوع. ولعل أهم هذه هي الصحف وهي مثلهما قوة هائلة تعمل في كيان البيئة، إما بتعمير وإما بتدمير. ولقد كان عهد ليس للصحف في البيئة الإسلامية من أثر، ثم جاءت الصحف وعرفها الناس لكنها في أول عهدها لم تكن تجرؤ على الخروج عن مألوف الناس من فضيلة ودين. بل لقد كانت الكلمة العليا بين الصحف إذ ذاك للإسلامية منها أيام كان المؤيد واللواء ليس لهما في ميدان الصحافة قريع. وكانا رحم الله أيامها وعوض المسلمين خيراً منهما مهما اختلف بهما يبل السياسة لا تختلف بهما سبيل الدين. فكانا لا يكادان