يشيمان الخطر على الدين من ناحية ولو من بعيد حتى يهبا لاتقائه وتنبيه الناس إلى الاستعداد له قبل وقوعه. ثم ذهبت بهما الأيام فكأنما ذهبت بذهابهما ريح الدعوة لله والمنافحة عن الإسلام. وكثرت الصحف حتى صارت عشرات بعد آحاد، لكنها كانت حرباً على الإسلام في غالبها. كانت بين مهاجم له ومعين عليه بالسكوت أو بنشر الرد الضعيف بعد الهجوم العنيف؛ وقل بينها ما كان يهب للدفاع حيناً بعد حين. أما الثبات في الدفاع والصمود للخصم صمود المؤيد مثلا لرينان وهانوتو فلم يكن في القائمين على الصحف الإسلامية من يجشم نفسه ذلك. وكان من أثر توالي الهجوم وتلكؤ الدفاع أن دخل الخصم من حصون البيئة الإسلامية حصناً بعد حصن. فذهب الحجاب وكأنما ذهب بذهابه الحياء؛ وجاء السفور وكأنما جاء بمجيئه الفجور. وكان الفجور يكاد يكون وقفاً على الرجال فأصبحوا بعد أن فشا الرقص والاختلاط يغلبهم عليه النساء
إنا لله. لشد ما غفل عن دينهم المسلمون حتى أتوا من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون! ماذا كان عليهم لو أنهم عملوا بدينهم وأطاعوه فكفوا أنفسهم كل هذه المصايب والويلات؟ إن الرجل اليوم ليأمر ابنه فلا يسمع له، ولا يجرؤ على أن يأمر ابنته خوفاً من أن تجترئ وتجاهر بالعصيان، كأنما إقراره إياها على خطأ لا يجعلها ترتكب غيره من الأخطاء، أو كأنما مجاراته إياها فيما لا يرضي الدين سيجنبها الهوة التي لابد أن يتردى فيها كل من يعصي الدين
لقد كانت البيئة الاجتماعية يغلب عليها الشر قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام طفق يجتث منها أصول الفساد، وطفق يصلح ويهذب ويطهر حتى ذهب عنها الرجس، وشاع فيها الطهر، وعم فيها النور؛ وأصبحت من ينشأ فيها ينشأ سليماً صحيحاً قويماً كالزرع في التربة الطيبة يأتيه النور من كل مكان. ثم أراد الله الذي يعلم أن الإنسان ابن بيئته أن يديم للإنسان نعمة إصلاحها فأقام حولها وفيها الحدود حداً بعد حد كحصن اجتماعي بعد حصن يقيها تطرق الفساد. فجلد على الخمر، وجلد ورجم على الزنا، وحرم الخلوة ومنع الاختلاط إلا للضرورة، واحتاط في المنع فضرب الحجاب. وقطع يد السارق بعد أن منع الربا، وأوجب الزكاة. فكانت بيئة طاهرة زكية يزكو فيها النشء كما يزكو النبات في البلد الطيب. فلما أصلحها للناس أمرهم أن يحافظوا على صلاحها بالأمر بالمعروف والنهي عن