للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ينقلب ضده، وإذا زالت الأسباب التي حملته على قطعه

٢ - (ليس من الضروري أن يتصف الأمير بالخلال الحسنة التي ذكرتها، ولكن من الضروري أن يبدو كأنه متصف بها. . ولا يستطيع الأمير، ولا سيما الأمير الجديد، أن يراعي كل الأمور التي يقدر الناس من أجلها لأنه كثيراً ما يرغم لكي يحفظ الدولة على أن يتصرف بغير ما يقضي به الإخلاص والصداقة والإنسانية والدين، وإذاً فمن الضروري أن يكون ذهنه متأهباً للعمل وفقاً لتقلب الريح والجدود)

هذا هو لب النظرية المكيافيلية في الحكم. ويكفي أن نقرأ كلمة (الدولة) مكان كلمة (الأمير) لنسبغ على هذه النظرية طابعها الحديث؛ وفي التاريخ كثير من الأمراء والطغاة الذين حكموا قبل مكيافيلي بنفس الروح والوسائل التي نادى بها مكيافيلي، وفيه كثير من الأمراء والساسة المحدثين الذين أعجبوا بمبادئ مكيافيلي وطبقوها في عصور تعتبر فيها هذه المبادئ من ألوان الغدر السياسي والاجتماعي الذي يصمم الدولة المتمدنة؛ وما زالت المكيافيلية إلى يومنا محكوماً عليها، وما زالت تعبر دائماً منافية لجميع المبادئ الحرة والإنسانية التي تقوم عليها المدنية الحديثة

على أن هذه الحقيقة التاريخية القديمة تختفي اليوم شيئاً فشيئاً؛ فلم تعد المكيافيللية في عصرنا فلسفة سياسية منبوذة، ولكنها نغدو بالعكس حقيقة واقعة تطبقها وتؤمن بها دول عظيمة. ذلك أن الفاشستية الإيطالية والأنظمة الطاغية المماثلة الأخرى تقوم في جوهرها على الفلسفة المكيافيلية؛ وقد أسبغت وسائلها وأساليبها على نظريات فليافيلي شرعية جديدة، وغدت هذه النظريات اليوم أساساً لنوع جديد من الحكم والسياسة تقوم عليه عدة دول قوية جديدة؛ ففي إيطاليا وألمانيا وروسيا تجد نظريات مكيافلي اليوم ميداناً شاسعاً لتطبيقها

وقد تناول هذا الموضوع الخطير أخيراً كاتب ومؤرخ فرنسي كبير هو مسيو لوي دي في كتاب قيم عنوانه (نحن ومكيافيلي درس فيه حياة الفيلسوف دراسة وافية، وانقل منها إلى عصر التطبيق، فذكر أن الفاشستية هي أعظم تجربة مكيافيلية عرفها التاريخ، وأن فكرة السنيور موسوليني في توحيد الشعب هي فكرة مكيافيلية محضة. (أن تكون الدولة (وفي لغة مكيافيلي الأمير) كل شيء والفرد لا شيء، وأن تكون الدولة مصدر كل السلطات والقوانين، وأن تطرح كل اعتبار أخلاقي في تحري غاياتها) هذا هو شعار الفاشستية، كما

<<  <  ج:
ص:  >  >>