يعرفها الأستاذ دي فيلفوس، وهذا هو شعار الدول الطاغية الأخرى التي تقوم على أصولها؛ وهذه هي نفس الرسالة التي بشر بها الفيلسوف الإيطالي في كتابه (الأمير)
وكما أن الفاشستية تقوم من الوجهة العلمية على أسس المكيافيلية فهي أيضاً تؤثر لغتها وأساليبها الدبلوماسية؛ فزعيم الدولة الإيطالية يستعمل اليوم نفس الوضوح الجاف، والصراحة المثيرة، في تمجيد وسائل العنف وأساليب القوة الهمجية، ويبدي نفس الاغتباط في تمزيق جميع المثل العاطفية، ويتقدم إلى العام باسم الدولة وضرورة قيامها على أنقاض جميع العناصر والاعتبارات الإنسانية، وبأنها مصدر الحق ومجمع القوى؛ ثم هو يرجع مثله الأعلى إلى نفس الكعبة المقدسة التي مجدها مكيافيلي، وهي (روما) وعظمتها الخالدة
فالفاشستية هي إذن ذروة النجاح العملي في تطبيق الفلسفة المكيافيلية؛ وإذا كانت المكيافيلية قد استطاعت من عصر إلى آخر، وفي بعض الظروف المناسبات أن تحقق لمحات من الظفر، فإنها اليوم على يد الفاشستية تحقق ظفرها كاملاً. وخلاصة شعارها الظافر الذي نادت به منذ أربعة قرون هو شعار الدول الفاشستية المعاصرة، وهو أن النصر الحقيقي إنما هو للقوى المسلحة والوسائل المدمرة، وإن كل سياسة لا تقوم على الحقائق العملية مصيرها إلى الفشل المحقق، وإنه لا حق للضعيف والأعزل في البقاء، ولا وجود لمثل أو مبادئ مثلى لا تدعمها القوة المادية
بل ويرى الأستاذ فيلفوس أن ظفر المكيافيلية لم يقف عند هذا الحد؛ ذلك أن هذا الظفر يشمل ميادين لم تكن تصلح بطبيعتها ولا بمبادئها لاعتناق المكيافيلية وتطبيقها وهي الدول الديموقراطية؛ ولكن الدول الديموقراطية ترى نفسها اليوم مضطرة إلى أن تتحوط لخطر الدول الفاشستية المدججة بالسلاح، وأن تقابل القوة بالقوة محافظة على سلامتها وكيانها، فهي بذلك مضطرة إلى أن تقتبس نوعاً من المكيافيلية التي لا ترغبها ولا تؤمن بها، وهذه هي حقيقة محزنة، ولكنها حقيقة لا ريب فيها
هذه هي خلاصة الحقائق التاريخية الجديدة التي يبسطها الكاتب الفرنسي في مؤلفه بسطاً قوياً شائقاً؛ ونقول إنها حقائق تاريخية لا تعوزها الأدلة الواقعية. وماذا تكون المكيافيلية إذا لم تكن هي نفس النظم التي تطبق اليوم بمنتهى العنف والصرامة في إيطاليا الفاشستية، وألمانيا النازية، وروسيا البلشفية؟ إن هذه النظم جميعاً تقوم على نوع من الزعامة الممعنة