للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كنا ننتظر كل مسخ أو تشويه للطبيعة البشرية - ودعك من الطبيعة الفنية الممتازة - إلا أن يصل هذا المسخ إلى رضاء إنسان أن يكون نسخة أخرى من إنسان، ونسخة مشوهة بطبيعة الحال كنسخة (الكربون) بالقياس إلى النسخة الأصلية

ولست أدري ما يبرر وجود النسخة الثانية متى كان في الإمكان الاطلاع على النسخة الأولى. ولست ادري لماذا يكلف إنسان نفسه مشقة الاطلاع على نسختين مكرورتين أو أكثر وفي واحدة غناء عن الأخريات؟

وما أدري أسأل المطرب المقلد أو المطربون المقلدون والمطربات المقلدات أنفسهم هذا السؤال؟ وهل علموا أنهم يلغون وجودهم ويفقدون المبرر الأول لهذا الوجود، أم لم يدر في إخلادهم مثل هذه الأسئلة وهم يندفعون إلى التقليد؟

وبعد فلو عزت الدلائل على المسخ والتشويه الذي بلى به عالم الموسيقى والغناء، ففي هذا التقليد الواضح المكشوف دليل لا ينقض على هذا البلاء، دليل على هؤلاء الذين يتصدون لأرفع وظيفة إنسانية وهم مجردون من المؤهلات البشرية الأولية التي ترتفع بالإنسانية عن التماثل أو التشابه الملحوظين بين حجر وحجر أو زاحفة وزاحفة، قبل أن تتميز الأشكال وتتنوع الأنماط في عالم الطبيعة وعالم الحياة. . .

وهو دليل على أننا لم نكن مبالغين حين نفضنا أيدينا من هؤلاء الناس، ويئسنا من استطاعتهم تغيير أنفسهم وتبديل طبائعهم؛ وحين التفتنا إلى هذه الأمة وحدها نفحص عن نبع مطمور في طبيعتها نرجو أن يتفجر فيكتسح هذه المخلفات

وفي ارتقاب هذه المعجزة نقضي الوقت في تأملات وملاحظات علها تمهد الطريق للنبع المرموق!

يتشقشق العصفور حين تمتلئ حويصلته بالحب والماء، ويحس بالدفْ والراحة، ويأمن المخاوف والأخطار، ويستشعر في قواه فضلة دافقة يناجي بها الأليف، ويطلب لها كفئاً من الأنيس

ويغني الإنسان - على مثال ما تشقشق الطير - حين يجد في نفسه فيضاً من شعور، وفضلة من طاقة، ويحس براحة التعبير، ولذة في التنفيس. يستوي أن تكون هذه الطاقة من لذة أو ألم

<<  <  ج:
ص:  >  >>