أهل العصر، يا طفلتي الغالية، لا يسرهم أن يَنْبُغَ فيهم كاتب بليغ إلا أن يكون بوقة ضَّجاجة تهتف بما يرتاحون إليه من الأفق والرياء
الكاتب، يا طفلتي الغالية، قد يستبيح ما لا يباح من النقد الجريء، وبعض أهل العصر يفهمون جيداً أن منازلهم الأدبية لم تكن إلا ضرباً من المتاع المسروق، فهم يتصورون الناقد في شبح رجل يقدم عنهم بلاغاً للنيابة العمومية!
ومن أجل هذا يحرص قوم على إفهام الجمهور أن الرجل لا تكون له إلا شخصية واحدة، فهو موظف فقط، أو كاتب فقط، وليس من حقه أن يكون موظفاً بالنهار وكاتباً بالليل، وكيف يحق له ذلك وهو بَشرٌ مثلهم خُلقَ للوظيفة بالنهار، ولمنادمة السخفاء بالليل؟!
الكاتب، يا طفلتي، رجل مهدد في كل وقت، لأنه من عنصر غريب لا يرتاح إليه المجتمع، إلا أن يكون من أهل البراعة في خل المجتمع؟ وذلك خلق لم أفكر فيه، ولا يسرني أن أصير إليه، لأني أمقت الفناء في أقوام كل محصولهم من الشرف أن يقال إنهم يبغضون الاستعباد، وكنت أرجو أن يكون قرائي ملوكاً يسيطرون على جميع الممالك والشعوب، فعزة الكاتب من عزة القارئ، ولا يستريح إلى السامع الذليل إلا المحدث الذليل
وقد أنفقت من شباب القلم ما أنفقت في خلق جيل يفهم عني ما أريد، ثم كانت فجيعتي فيك يا شقية، فأنت تريدين أن أخضع للجمال، وأنا لا أعرف إلا خُيلاء السيطرة على الجمال، والرجال قوامون على النساء، ولو كره المتظرفون من أبناء الجيل الجديد!
وأنا مع هذا شديد الرغبة في الخضوع لإرادتك السامية، كما يتطامن الصائد في أصول الأدغال، فماذا تريدين أن أقول؟ هل تريدين أن أكتب الصفحتين الممزقتين من جديد؟
أنا عندما تريدين لتكوني بإذن الهوى عندما أريد؟ وإلى قلبك البكر سوف أسوق الحديث في غير هذا الحديث