أيسر على العباسة أن تشهد اثنين من المخلصين لها أو لجعفر على أنها زوجته نفسها، فترتفع بذلك عما يريد هؤلاء المؤرخون أن يرموها به.
فإذا كانت المسألة كلها مختلفة، ولا صلة للعباسة بنكبة البرامكة فهي - من باب أولى - في غنى عن كل هذا الكلام.
بقى أمر أحب أن أتحدث عنه قليلاً في هذه المناسبة. فقد ذكر الأستاذ باش أعيان أن بعض المؤلفين المعاصرين قد أنشئوا الفصول الرائعة عن حب جعفر للعباسة، واتخذوه موضوعاً لرواياتهم، وإنني لست أرى بأساً من ذلك أبداً، فإن المؤلف الفنان غير مقيد مطلقاً بالتاريخ، وإنما شأنه وشأن التاريخ بشأن المهندس والمولد الكهربائي، فالمهندس يستنبط القوة الكهربائية ثم هو بعد ذلك على أتم الحرية. . يضيء بها أو يحرك الآلات، أو يفعل ما شاء له هواه دون أن يقطعها.
والفنان إزاء التاريخ مستلهم منه الوحي، كأنه الشرارة من المولد الكهربائي، ثم هو يحور قصته أو روايته، ويوجهها إلى حيث يرضي فنه، دون أن يخل بالحوادث الجوهرية، التي تقوي على الإهمال أو التحريف.
فلتكن رواية العقد بين جعفر والعباسة مختلفة، أو لتكن منحرفة، أو لتكن كما تشاء، فالفنان قد رأى فيها موضوعاً يصلح لأن ينشئ منه فناً فأنشأ ولا جناح عليه.
وإذا أراد المتزمتون من المؤرخين ألا يعترفوا بهذا فعليهم أن ينظروا إلى العمل الفني على أنه عمل فني فحسب، اختير لأسماء أبطاله أسماء كان لهم في التاريخ شأن.
وبعد فإلى الأستاذ باش أعيان خالص الشكر أن أتاح لي هذه الفرصة، وإليه في حاضرة الإسلام المزدهر خالص التحية.