للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أصاب غيره من التحريف والتبديل والتضييع.

ولست ادري كيف يمكن إذا كان الحديث ثابتا عن الرسول أن يمتد إليه عقل، مهما قدر، بتنقيح أو تعديل! لست ادري كيف يمكن أن يجوز عند العقل أن قولا ثابتا عن الرسول الذي قطع العقل برسالته عن الله يصح أن يكون محل بحث غير بحث يرمي إلى استنباط المعنى منه، لا إلى تصحيح أو تنقيح شيء فيه. أن الدين قد جاء الإنسانية بكثير مما لم تكن تعرف، وكثير مما لا يمكن أن تعرف إلا عن طريقه؛ وكل أخبار الغيب لا يمكن أن نعرف إلا عن طريقه. والمسالة ليست مسالة ماذا نفهم من الدين، أو ماذا نعقل، أو ماذا يتفق مع ما نعرف أو نعلم عن غير طريقه، ولكن المسالة هي أمر الواقع الذي كأن والذي بلغه الرسول للناس عن الله سبحانه. فإذا ثبت أن أمرا قد وقع أو قولا قد صدر عن الرسول وجب قبول هذا الواقع وذاك القول مهما بدا للعقل غريبا أو عجيبا أو غير مفهوم.

إن الدين صادر عن خالق الخلق، وقد تناول جميع الفطرة ماضيها وحاضرها ومستقبلها: بالإجمال فيما اقتضت الحكمة الإلهية إجماله، وبالتفصيل فيما اقتضت تفصيله. والعقل الذي يمكن أن يحيط بالفطرة لم يخلقه الله بعد، وهو على أي حال عقل المجموع لا عقل الفرد والعلم الذي يتسع حتى لا يند عنه شيء من الفطرة لم يوجد، ولن يوجد أبدا. فسيظل الإنسان يعلم ويزداد علما من غير أن يصل إلى نهاية العلم.

وإذا كان الأمر كذلك فهل من المعقول أن يتطلع الإنسان إلى فهم كل سيئ في الدين كان ليس في دين الله ما يسمو عن عقل الإنسان؟ وإذا كان في الدين ما يسمو عن عقل الإنسان ويزيد عن علمه، فهل من المعقول أن يحكم الإنسان عقله وعلمه في الدين، فلا يقبل من الحديث إلا ما طابق ذلك العقل على محدوديته، وذلك العلم على قلته؟ ألا يكون ذلك غرورا يضل الإنسان به عن الله، ويصبح به إلهه هواه؟

ما هو المقياس الذي يمكن أن يقيس به الإنسان متون الحديث ومعانيها ليقبل منها ما يوافقه، ويرفض أو ينقح منها ما يخالفه حتى يزول الخلف؟ أن الحق القاطع لا يختلف. ذلك أمر معروف مقطوع به. فهل يمكن أن يتناقض نص قاطع وأمر واقع عرفه الإنسان بالعلم المستقل عن الدين، كالعلم الطبيعي مثلا؟ أن هذا غير ممكن؛ فالدين من عند خالق الفطرة، واليقيني من العلم الطبيعي هو جزء من الفطرة، بمعنى أنه وصف حقيقي صادق

<<  <  ج:
ص:  >  >>