لجزء منها، والفطرة متجانسة متساندة فلا يمكن أن يناقض بعضها بعضا. وإذن فلا يمكن أن يناقض علم دينا أو دين علما إذا كان العلم صحيحا وإذا كان الدين من عند الله. لكن الدين بحكم تناوله جميع الفطرة يجمل القول أو يبهمه فيما لا يتعلق بضروري لسعادة الإنسان الآن، وفيما ضاق عنه علمه الحاضر أو علمه وقت أن نزل القران؛ فيفهم الإنسان من القول المجمل أو النص المبهم بقدر عقله وعلمه؛ بل لعله لا إجمال ولا إبهام هناك إلا بقدر أن يكون في العبارات الكلية عند من لا يعرف جزئياتها، فهي تبدو مجملة أو مبهمه لكثرة ما فيها من المعنى الذي استغلق على الإنسان؛ حتى إذا ازداد علمه باطراد تقدمه، فهم من النص ما لم يكن يفهمه، واطلع منه على دنيا من الحقائق جديدة يتجدد بها له وللإنسانية الحجج عصرا بعد عصر: أن الإسلام دين الله، وان محمدا رسول الله، وان القران كتاب الله، وان ما ثبت عن الرسول لا يجوز أن ينقحه، وان وجب أن يتفهمه، الإنسان.
سيقال طبعا أن الثابت عن الرسول صلوات الله عليه مختلف في درجة الثبوت، فالمتواتر من الحديث قليل أو أقل من القليل، لا يكاد يجاوز أو يبلغ أصابع اليدين عدا. وهذا لا اختلاف في قبوله ولا في أنه فوق التنقيح. والثابت غير المتواتر هو الصحيح على تفاوت في درجة الصحة، وهذا لا يفيد إلا الظن، أي ترجيح أنه من قول الرسول على تفاوت في درجة الرجحان؛ وهذا هو الذي يصح أن يكون عرضة للتنقيح عند اللزوم.
أني أقول أولا إن احتياط علماء الحديث رضوان الله عليهم من الناحية العقلية المنطقية الصرفة، هو الذي جعلهم يضيقون دائرة المتواتر ذلك التضييق. وإلا فكثير من الحديث يلتحق بالمتواتر لتعدد طرقه وسلامة أسانيده. ولئن لم يتواتر هذا الكثير من ناحية اللفظ فهو متواتر أو يكاد من ناحية المعنى ولو دقق علماء التاريخ في ثبوت التاريخ تدقيق علماء الحديث في ثبوت الحديث لما كاد يثبت من التاريخ شيء. فمسلك علماء الحديث في نقد الأسانيد كان غاية في التشديد كانوا يضعفون الحديث إذا عرف عن أحد رواته سهوة، أو أحصى عليه هفوة يرونها تخل بالكرامة. وكانوا ينبذون الحديث إذا عرف عن أحد رواته أنه كذب ولو مرة. وهذا تشديد كبير لأن الذي يكذب مرة ليس معناه أنه يكذب كل مرة، أو أن الكذب له عادة. والذي يكذب على الناس ليس بضروري أن يكذب على الرسول الذي توعد الكاذب عليه بالنار. لذلك لست اشك في أن من بين ما رفضه علماء الحديث صحيح